الإشارة : ترى بعض الناس يُقسمون بالله جهد أَيْمَانهم : لئن ظهر شيخ التربية وأمرهم بالخروج عن أموالهم وأنفسهم ليخرجن، فلما ظهر تولوا وأعرضوا، فيقال لهم : فإن تولوا فإنما عليه ما حُمِّل من الدلالة على الله، والتعريف به، وعليكم ما حُملتم من الدخول تحت تربيته، وإن تُطيعوه تهتدوا إلى معرفة الله بالعيان، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٩٢
٩٣
قلت :(ليستخلفنهم) : جواب لقسم مضمر، أو تنزيل وعْده تعالى منزلة القسم، و (كما) : الكاف : محلها النصب على المصدر التشبيهي، أي : استخلافاً كائناً كاستخلافه مَنْ قَبْلَهُمْ. و (ما) : مصدرية. و (ويعبدونني) : حال من الموصول الأول، مقيدة للوعد بالثبات على التوحيد، أو استئنافٌ ببيان مقتضى الاستخلاف، و (لا يشركون) : حال من واو (يعبدونني).
يقول الحق جل جلاله :﴿وعد الله الذين آمنوا منكم﴾ أي : كل من اتصف بالإيمان بعد الكفر من أي طائفة كان، وفي أي وقت وجد، لا من آمن من المنافقين فقط، ولا من آمن بعد نزول الآية الكريمة، بحسب ظهور الوعد الكريم. و (من) : للبيان. وقيل : للتبعيض، ويراد المهاجرون فقط. ﴿وعملوا﴾ مع الإيمان الأعمال ﴿الصالحات﴾، وتوسيط المجرور بين المَعْطُوفَيْنِ ؛ لإظهار أصالة الإيمان وعراقته في استتباع الآثار والأحكام، والإيذان بكونه أول ما يطلب منهم، وأهم ما يجب عليهم.
وأما تأخيره في قوله :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً﴾ [الفتح : ٢٩] ؛ فإن الضمير للذين آمنوا معه ﷺ ؛ فلا ريب أنهم جامعون بين الإيمان والأعمال الصالحة، مثابون عليها، فلا بد من ورود بيانهم بعد نعوتهم الجليلة بكمالها.