نزلتْ حيث كان أصحاب رسول الله ﷺ قبل الهجرة عشر سنين، أو أكثر، خائفين، ولَمَّا هاجروا كانوا بلمدينة يُصْبِحُون في السلاح ويُمْسُون فيه، حتى قال رجل : ما يأتي علينا يوم نأمن فيه، ونضع السلاح، فلما نزلت، قال عليه الصلاة والسلام :" لا تصبرون إلا يسيراً حتى يَجْلِسَ الرجل منكم في الملأِ العظيم، مُحْتبياً، ليس معه حديدة "، فأنجز الله وعده، فأمِنُوا، وأظهرهم على جزيرة العرب، وفتح لهم بلاد المشرق والمغرب، ومزقوا ملك الأكاسرة، وملكوا خزائنهم، واستولوا على الدنيا بحذافيرها. وفيه من الإخبار بالغيب ما لا يخفى. وقيل : الخوف والأمن في الآخرة.
ثم مدحهم بالإخلاص فقال :﴿يعبدونني﴾ وحدي، ﴿لا يُشركون بي شيئاً﴾ أي : حال كونهم موحدين غير مشركين بي شيئاً من الأشياء، شركاً جلياً ولا خفياً ؛ لرسوخ محبتهم، فلا يُحبون معه غيره، ﴿ومن كَفَر بعد ذلك﴾ أي : بعد الوعد الكريم، كفرانَ النعمة، أو الرجوع عن الإيمان، كما فعل أهلُ الردة، ﴿فأولئك هم الفاسقون﴾ ؛ الكاملون في الفسق، حيث كفروا تلك النعمة بعد ظهور عزها وأنوارها، قيل : أول من كفر هذه النعمة قتلةُ عثمان رضي الله عنه ؛ فاقتتلوا بعد ما كانوا إخواناً.
والآية أوضح دليل على صحة خلافة الخلفاء الراشدين ؛ لأن المستخلَفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات على ما ينبغي هم الخلفاء - رضي الله عنهم -.