وهو البلوغ، وأرادوا الدخول عليكم ﴿فَلْيَستأذِنوا﴾ في جميع الأوقات. قال القرطبي : لم يقل :﴿فليستأذنوكم﴾، وقال في الأولى :﴿ليستأذنكم﴾ ؛ لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبَدين. هـ. قلت : فالمخاطبون في الأولى هم الأولياء بتعليمهم الاستئذان وإيصائهم به، وهنا صاروا بالغين، فأمرهم بالاستئذان ﴿كما استأذن الذين من قبلهم﴾ أي : الذين بلغوا الحُلُم مِن قبلهم، وهم الرجال المذكورون في قوله :﴿ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ [النور : ٢٧] الآية. والمعنى : أن الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن، إلا في العورات الثلاث، فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم بلغوا الحُلُمَ وَجَبَ أن يُفطَمُوا عن تلك العادة، ويُحملوا على أن يَسْتَأْذِنوا في جميع الأوقات، كالرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن.
والناس عن هذه غافلون. عن ابن عباس رضي الله عنه : ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله، وقوله :﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات : ١٣]، وقوله :﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ [النساء : ٨]. وعن سعيد بن جبير :(يقولون : إنها منسوخة، والله ما هي بمنسوخة). وعن ابن عباس أيضاً قال : إنما أُمروا بها حين لم يكن للبيوت الستر، فلما وجدوا ذلك استغنوا عن الاستئذان. وعن أبي محمد مكي : هذا الأمر إنما كان من الله للمؤمنين ؛ إذ كانت البيوت بغير أبواب. قلت : أما باعتبار الأجانب فالأبواب تكفي، وأما باعتبار المماليك والأطفال الذين يلجون الدار من غير حَجْرٍ ؛ فلا تكفي الأبواب في حقهم، فلا بن من الاستئذان كما في الآية.


الصفحة التالية
Icon