الإشارة : عبّر بالعبودية في التنزيل والإسراء ؛ إشارة إلى أن كل من تحقق بالعبودية الكاملة له حفظ من تنزيل الفرقان على قلبه، حتى يفرق بين الحق والباطل، وحظ من الإسراء بروحه إلى عالم الملكوت والجبروت، حتى يعاين عجائب أسرار ربه. وما منع الناس من تنزل العلوم اللدنية على قلوبهم، ومن العروج بروحهم، إلا عدم التحقق بالعبودية الكاملة لربهم، حتى يكون مع مراده، لا مع مرادهم، لا يريدون إلا ما أراد، ولا يشتهون إلا ما يقضي، قد تحرروا من رقِّ الأشياء، واتحدت عبوديتهم للواحد الأعلى. فإذا كانوا كذلك صاروا خلفاء الأنبياء، يُعرج بأرواحهم، ويُوحى إلى قلوبهم ما يفرقون به من الحق والباطل، ليكونوا نُذراً لعالمي زمانه ؛ قال تعالى :﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر : ٢٤]. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٧
يقول الحق جل جلاله :﴿واتخذوا﴾ أي : الكفار المدرجون تحت العالمين المنذَرين، اتخذوا لأنفسهم ﴿من دونه﴾ تعالى ﴿آلهة﴾ ؛ أصناماً، يعبدونها ويستعينون بها، وهم ﴿لا يَخْلُقُون شيئاً﴾ أي : لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء، ﴿وهم يخْلَقُون﴾
١٠٨
كسائر المخلوقات. والمعنى أنهم آثروا على عبادة من هو منفرد بالألوهية والخلق، والملك والتقدير، عباداً عجزة، لا يقدرون على خلق شيء، وهم مخلوقون ومصورون. ﴿ولا يملكون لأنفسهم ضَراً ولا نفعاً﴾ أي : لا يستطيعون لأنفسهم دفع ضر عنها، ولا جلب نفع لها. وهذا بيان لغاية عجزهم وضعفهم ؛ فإن بعض المخلوقين ربما يملك دفع ضر وجلب نفع في الجملة، وهؤلاء لا يقدرون على شيء البتة، فكيف يملكون نفع مَنْ عبدَهم، أو ضرر من لم يعبدهم ؟ ‍!


الصفحة التالية
Icon