﴿أو يُلْقَى إليه كنزٌ﴾ من السماء، يستغني به عن طلب المعاش معنا، ﴿أو تكونُ له جنةٌ﴾ ؛ بستان ﴿يأكل منها﴾ كالأغنياء المياسير. والحاصل : أنهم أول مرة ادعوا أن الرسول لا يكون إلا كالملائكة، مستغنياً عن الطعام والشراب، وتعجبوا من كون الرسول بشراً، ثم تنزلوا إلى اقتراح أن يكون إنساناً معه ملك يُصدقه ويعينه على الإنذار، ثم تنزلوا إلى اقتراح أن يكون معه كنز، يستظهر به على نوائبه، ثم تنزلوا إلى اقتراح أن يكون رجلاً له بستان يأكل منه، كالمياسير، أو نأكل نحن منه، على قراءة حمزة والكسائي.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٩
قال تعالى :﴿وقال الظالمون﴾ وهم الكفرة القائلون ما تقدم، غير أنه وضع الظاهر موضع المضمر، تسجيلاً عليهم بالظلم وتجاوز الحد فيه. وهم كفار قريش، أي : قالوا للمؤمنين :﴿إن تتبعون﴾ ؛ ما تتبعون ﴿إلا رجلاً مسحوراً﴾ ؛ قد سُحر فغلب على عقله، ﴿انظر كيف ضربوا لك الأمثال﴾ أي : انظر كيف قالوا في حقك تلك الأقاويل العجيبة، الخارجة عن العقول، الجارية ؛ لغرابتها، مجرى الأمثال، واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال الشاذة، البعيدة عن الوقوع ؟ ! ﴿فضلّوا﴾ عن طريق الجادة ﴿فلا يستطيعون سبيلاً﴾ ؛ فلا يجدون طريقاً إليه، أو : فلا يجدون سبيلاً إلى القدح في نبوتك، بأن يجدوا قولاً يستقرون عليه، أو : فضلّوا عن الحق ضلالاً مبيناً، فلا يجدون طريقاً موصلاً إليه، فإن من اعتاد استعمال هذه الأباطيل لا يكاد يهتدي إلى استعمال المقدمات الموصلة إلى الرشد والصواب. وبالله التوفيق.
الإشارة : تكذيب الصادقين سُنَّة ماضية، فإن سمع أهل الإنكار منهم علوماً وأسراراً قالوا : ليست من فيضه، إنما نقلها عن غيره، وأعانه على إظهارها قومٌ آخرون، قل : أنزلها
١١١


الصفحة التالية
Icon