على قلوبهم الذي يعلم السر في السماوات والأرض، أنه كان غفوراً رحيماً، حيث ستر وصفهم بوصفه ونعتهم بنعته، فوصلهم بما منه إليهم، لا بما منهم إليه. وقوله تعالى :﴿مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق﴾، أنكروا وجود الخصوصية مع وصف البشرية، ولا يلزم من وجود الخصوصية عدم وصف البشرية، كما تقدم مراراً. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٩
قلت :(جنات) : بدل من خيراً، و (يجعل)، من جزمه عطفه على محل جواب الشرط، ومن رفعه فعلى الاستئناف، أي : وهو يجعل لك قصوراً، ويجوز عطفه على الجواب ؛ لأن الشرط إذا كان ماضياً جاز في الجواب الرفع والجزم، كما هو مقرر في محله.
يقول الحق جل جلاله :﴿تبارك﴾ أي : تكاثر وتزايد خيره ﴿الذي إن شاء جَعَلَ لك﴾ في الدنيا ﴿خيراً﴾ لك ﴿من ذلك﴾ الذي اقترحوه ؛ من أن يكون لك جنة تأكل منها ؛ بأن يجعل لك مثل ما وعدك في الجنة، ﴿جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ﴾، فإنه خير من جنة واحدة من غير أنهار، كما اقترحوا، ﴿ويجعل لك قصوراً﴾ ؛ وغرفاً في الدنيا، كقصور الآخرة، لكن لم يشأ ذلك ؛ لأن الدنيا لا تسع ما يعطيه لخواص أحبابه في الآخرة ؛ لأنها ضيقة الزمان والمكان.
وعدم التعرض لجواب الاقتراحين الأولين، وهو إنزال الملك وإلقاء الكنز ؛ لظهور بطلانهما ومنافاتهما للحكمة التشريعية، وإنما الذي له وجه في الجملة وهو الاقتراح الأخير ؛ فإنه غير مناف للحكمة بالكلية، فإن بعض الأنبياء - عليهم السلام - قد أُتوا مع النبوة مُلكاً عظيماً، لكنه نادر.
ثم أضرب عن توبيخهم بحكاية جناياتهم السابقة، وانتقل إلى توبيخهم بحكاية جناية أخرى، فقال :﴿بل كذَّبوا بالساعة﴾ أي : بل أتوا بأعجب من ذلك كله، وهو تكذيبهم بالساعة. ويحتمل أن يكون متصلاً بما قبله، كأنه قال : بل كذبوا بالساعة، وكيف يلتفتون
١١٢


الصفحة التالية
Icon