﴿وإذا أُلْقُوا منها﴾ ؛ من النار ﴿مكاناً ضَيِّقاً﴾ أي : في مكان ضيق ؛ لأن الكرب يعظم مع الضيق، كما أن الروح يعظم مع السعة، وهو السر في وصف الجنة بأن عرضها السموات والأرض. وعن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما - :(تضيق جهنم عليهم، كما يضيق الزجُّ على الرمح). وسئل النبي ﷺ عن ذلك فقال :" والذي نفسي بيده إنهم ليُستكرهون في النار كما يُستكره الوتد في الحائط " حال كونهم ﴿مُقرّنين﴾ أي : مسلسلين، أي : مقرونين في السلاسل، قُرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. أو : يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسة، وفي أرجلهم الأصفاد. فإذا أُلقوا في الضيق، على هذا الوصف، ﴿دَعَوا هنالك﴾ أي : في ذلك المكان الهائل والحالة الفظيعة، ﴿ثُبُوراً﴾ أي : هلاكاً، بأن يقولوا : واثبوراه ؛ هذا حينُك فتعال، فيتمنون الهلاك ليستريحوا، فيقال لهم :﴿لا تدعوا اليوم ثُبوراً واحداً وادعوا ثُبوراً كثيراً﴾ أي : لا تدعوا بالهلاك على أنفسكم مرة واحدة، ودعاءً واحداً، بل ادعوا دعاء متعدداً بأدعية كثيرة، فإن ما أنتم عليه من العذاب لغاية شدته وطول مدته، مستوجب لتكرر الدعاء في كل أوان. وهو يدل على فظاعة العذاب وهوله.
وأما ما قيل من أن المعنى : إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً، وإنما هو ثبور كثير، إما لأن العذاب أنواع وألوان، كل نوع منها ثبور ؛ لشدته وفظاعته، أو : لأنهم كلما نضجت جلودهم بُدلوا غيرها، فلا غاية لها، فلا يلائم المقام. انظر أبا السعود. وعن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي ﷺ :" أولُ من يُكْسَى حُلَّةً من النار إبليسُ، فيضعُها على
١١٣


الصفحة التالية
Icon