لهم فيها ما يشاؤون} من فنون الملاذ والمشتهيات، وأنواع النعيم والخيرات، كقوله تعالى :﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ﴾ [الزخرف : ٧١]، ولعل كل فريق منهم يقنع بما أتيح له من درجات النعيم، ولا تمتد أعناق همهم إلى ما فوق ذلك من المراتب العالية. فلا يلزم الحرمان، ولا تساوى أهل الجنان. حال كونهم ﴿خالدين﴾ لا يفنون، ولا يفنى ما هم فيه، ﴿كان على ربك وعداً مسؤولاً﴾ أي : موعوداً حقيقياً بأن يُسْأَلَ ويُطلب ؛ لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون، أو : مسؤولاً لا يسأله الناس في دعائهم، بقولهم :﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىا رُسُلِكَ﴾ [آل عمرآن : ١٩٤] أو : تسأله الملائكة بقولهم :﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ﴾ [غافر : ٨] وما في " على " من معنى الوجوب، لامتناع الخُلْفِ في عده تعالى، فكأنه أوجبه على نفسه ؛ تفضيلاً وإحساناً. وفي التعرض لعنوان الربوبية ؛ مع الإضافة إلى ضميره ﷺ ؛ من تشريفه والإشعار بأنه ﷺ هو أول الفائزين بمغانم هذا الوعد الكريم ما لا يخفى. قاله أبو السعود.
الإشارة : تبارك الذي إن شاء جعل ذلك خيراً من ذلك، وهي جنة المعارف المعجلة، تجري من تحتها أنهار العلوم وفيض المواهب، ويجعل لك قصوراً تنزل فيها، ثم ترحل عنها، وهي منازل السائرين ومقامات المقربين، إلى أن تسكن في محل الشهود والعيان، وهو العكوف في حضرة الإحسان. بل كذَّبوا بالساعة، أي : من تنكب عن هذا الخير الجسيم، إنما سببه أنه فعل فِعْل من يُكذب بالساعة ؛ من الانهماك في الدنيا، والاشتغال بها عن زاد الآخرة. وأَعتدنا لمن فعل ذلك سعيراً، أي : إحراقاً للقلب بالتعب، والحرص، والجزع والهلع، والإقبال على الدنيا، إذا قابلتهم من مكان بعيد سمعوا لها
١١٤


الصفحة التالية
Icon