ثم خاطب المكلَّفين على العموم فقال :﴿ومن يَظْلِمْ منكم﴾ ؛ يشرك ؛ بدليل قوله :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان : ١٣] لأن الظلم : وضع الشيء في غير محله، ومن جعل المخلوق شريكاً لخالقه فقد ظلم ظلماً عظيماً. أي : ومن يظلم منكم أيها المكلفون، كدأب هؤلاء الكفرة، حيث ركبوا متن المكابرة والعناد، واستمروا على الملاججة والفساد، ﴿نُذقْهُ﴾ في الآخرة ﴿عذاباً كبيراً﴾ لا يقادر قدره، وهو الخلود في النار، والعياذ بالله.
الإشارة : كل من عشق شيئاً وأحبه من دون الله فهو عابد له، فرداً أو متعدداً،
١١٦
فيُحشر معه يوم القيامة، فيقال لهم : أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء، أم هم ضلوا السبيل ؟ فيتبرؤون منهم، ويقولون : بل متعتهم بالدنيا، وألهيتهم عن الذكر والتفكر والاعتبار، أو عن الشهود والاستبصار، حتى نسوا ذكر الله وكانوا قوماً بوراً. وقد ورد :(أن الدنيا تُبعث يوم القيامة على هيئة عجوز شمطاء زرقاء، فتنادي : أين أولادي ؟ فيجمعون لها كرهاً، فتقدمهم، فتوردهم النار). وقوله تعالى :﴿ومن يظلم منكم﴾ أي : يخرج عن حد الاستقامة في العبودية، وشهود عظمة الربوبية، نُذقه عذاباً كبيراً، وهو ضرب الحجاب على سبيل الدوام، إلا وقتاً مخصوصاً مع العوام. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١١٥
قلت : كُسرت (إنَّ) ؛ لأجل اللام في الخبر. والجملة بعد (إلا) : صفة لمحذوف، أي : وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلا آكلين وماشين، وإنما حذف ؛ اكتفاء بالجار والمجرور، يعني من المرسلين، وهو كقوله تعالى :﴿وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ [الصافات : ١٦٤]، أي : وما منا أحد. وقيل : هي حال، والتقدير : إلا وأنهم ليأكلون.