يقول الحق جل جلاله : في الجواب المشركين عن قولهم :﴿مَالِ هَـاذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان : ٧] ؛ تسلية لنبيه ﷺ :﴿وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا﴾ وَصِفَتُهُمْ ﴿إِنهم لَيأْكُلون﴾ ؛ بشر يأكلون ﴿الطعامَ﴾، مفتقرون إليه في قيام بنيتهم، ﴿ويمشون في الاسواق﴾ في طلب حوائجهم، فليس ببدع أن تكون أنت كذلك، ﴿وجعلنا بعضهم لبعض فتنةً﴾ أي : محنة، وهو التعليل لما قبله، أي : إنما جعلت الرسل مفتقرين للمادة، وفقراء من المال، يمشون في الاسواق لطلب المعاش ؛ ابتلاء، وفتنة، واختباراً لمن تبعهم، من غير طمع، ولم يعرض عنهم لأجل فقرهم، فقد جعلت بعضكم لبعض فتنة. قال ابن عباس : أي : جعلت بعضكم بلاءً لبعض ؛ لتصبروا على ما تسمعون منهم، وترون من خلافهم، وتتبعوا الهدى بغير أن أعطيكم عليه الدنيا، ولو شئتُ أن أجعل الدنيا مع رسلي، فلا يخالَفون، لفعلت، ولكن قدرت أن أبتلي العباد بكم وأبتليكم بهم. هـ.
فالحكمة في فقر الرسل من المال : تحقيق الإخلاص لمن تبعهم، وإظهار المزية لهم ؛ حيث تبعوهم بلا حرف. قال النسفي : أو جعلناك فتنة لهم ؛ لأنك لو كنت صاحب كنوز وجنات لكانت طاعتهم لأجل الدنيا، أو ممزوجة بالدنيا، فإنما بعثناك فقيراً ؛ لتكون طاعة من يطعيك خالصة لنا. هـ.
١١٧