قال في الحاشية : وقد قيل : إن الدنيا دار بلاء وامتحان، فأراد تعالى أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض، على العموم في جميع الناس : مؤمن وكافر، بمعنى : أن كل واحد مُخْتَبَرٌ بصاحبه، فالغنى ممتحن بالفقير، عليه أن يواسيه ولا يسخر منه. والفقير ممتحن بالغنى، عليه ألا يحسده، ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق الذي عليه، وتوجه إليه من ذلك ؛ لأن الدار دار تكليف بموجبات الصبر، وقد جعل تعالى إمهال الكفار والتوسعة عليهم ؛ فتنة للمؤمنين، واختباراً لهم. ولمّا صبروا نزل فيهم :﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوااْ﴾ [المؤمنون : ١١١]. والحاصل : أن الله تعالى دبَّر خلقه، وخص كلاَّ بما شاء، من غِنى أو فقر، أو علم أو جهل، أو نبوة أو غيرها. وكذا سائر الخصوصيات ؛ ليظهر من يسلّم له حُكمه وقسمته، ومن ينازعه في ذلك، ومن يؤدي حق ما توجه عليه من ذلك ؛ فيكون شاكراً صابراً، ومن لا، وهو أعلم بحكمته في ذلك، ولذلك قال :﴿وكان ربك بصيراً﴾. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١١٧
وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل، والوليد بن عتبة، والعاص، حين رأوا أبا ذر وعماراً وصهيباً، وغيرهم من الفقراء المسلمين، قالوا : أنسلم ؛ فنكون مِثل هؤلاء ؟ فنزلت الآية، تخاطب هؤلاء المؤمنين : أتصبرون على هذه الحالة من الشدة والفقر ؟ هـ.
قال النسفي : أتصبرون على هذه الفتنة فتؤجروا، أم لا تصبرون فيزداد غمّكم ؟ حكي أن بعض الصالحين تبرّم بضنك عيشه، فخرج ضجِراً، فرأى خصياً في مواكب ومراكب، فخطر بباله شيء، فإذا بقارئ يقرأ هذه الآية، فقال : بل نصبر، ربّنا. هـ.


الصفحة التالية
Icon