وكان شيخ أشياخنا - سيدي علي العمراني - يقول لأصحابه : من أراد أن يذوق فليمش إلى السوق. هـ. فينبغي للمريد أن يربي فكرته في العزلة والخلطة والخلوة والجلوة، ولا يقتصر على تربيتها في العزلة فقط ؛ لئلا يتغير حاله في حال الخلطة ؛ فيبقى ضعيفاً. فالعزلة تكون ؛ ابتداء، قبل دخول بلاد المعاني، فإذا دخل بلاد المعاني فليختر الخلطة على العزلة، حتى يستوي قلبه في الخلوة والجلوة، فالعزلة عن الناس عزلة الضعفاء ؛ والعزلة بين الناس عزلة الأقوياء. فالمشي في الأسواق والأكل فيها سنة الفقراء، أهل الأحوال ؛ مجاهدةً لنفوسهم، وترييضاً لها على إسقاط مراقبة الخلق، والخوف منهم. وقد ورد أن الله تعالى أمر بذلك نبيه ﷺ ؛ تشريفاً لأهل الأحوال، كما ذكره صاحب اللباب عند قوله :﴿مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق...﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١١٧
ومن آداب الداخل في السوق : أن يكون ماشياً على رجليه، لا راكباً، كما وصف الله تعالى الرسل - عليهم السلام. وفي قوله تعالى :﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون﴾ : تسلية لمن يُبْتَلَى من الأولياء، وتهوين له على ما يلقاه من شدائد الزمان، وإذاية الإخوان، وجفوة الناس. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١١٧
قلت :(وقال) : عطف على :(وقالوا مال هذا الرسول...) إلخ، ووضع الموصول موضع الضمير ؛ للتنبيه بما في حيز الصلة على أن ما حكي عنهم مِنَ الشناعة بحيث لا يصدر ممن يعتقد المصير إلى الله - عز وجل -.
يقول الحق جل جلاله :﴿وقال الذين لا يرجون لقاءنا﴾ أي : لا يتوقعون الرجوع
١١٩
إلينا بالبعث، أو حسابنا المؤدي إلى سوء العذاب، الذي تستوجبه مقالاتهم الشنيعة.