﴿يقول يا ليتني﴾، الياء لمجرد التنبيه، من غير تعيين المنبّه، أو : المنبه محذوف، أي : يا هؤلاء ﴿ليتني اتخذت﴾ في الدنيا ﴿مع الرسول﴾ محمد ﷺ ﴿سبيلاً﴾ أي : طريقاً مُنجياً من هذه الورطات، وهي طريق الإسلام، ولم أكن ضالاً، أو : طريقاً إلى الجنة، ﴿يا وَيْلَتَي﴾، بقلب ياء المتكلم ألفاً، كما في صَحَارَى وعذارَى. وقرئ بالياء على الأصل، أي : يا هَلَكَتِي، تَعَاليّ ؛ هذا أَوَانَكِ، ﴿ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً﴾، فلان : كناية عن الإعلام، فإن أريد بالظالم عقبة، فالمعنى : لم أتخذ أبيّاً خليلاً، فكنى عن اسمه، وإن أريد به الجنس، فهو كناية عن علم كل من يضله، كائناً من كان، من شياطين الإنس والجن. وقيل : هو كناية عن الشيطان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٢
ثم قال :﴿لقد أضلني عن الذِّكْرِ﴾ ؛ عن ذكر الله، أو : القرآن، أو : الإيمان، أو موعظة الرسول ﷺ، أو كلمة الشهادة. وتصديره بلام القسم ؛ للمبالغة في بيان خطئه،
١٢٤
وإظهار ندمه وحسرته، أي : والله لقد أضلني عن الذكر ﴿بعد إِذا جاءني﴾ من الله، وتمكنت منه. ﴿وكان الشيطانُ للإِنسان خذولاً﴾ أي : مبالغاً في الخذلان، حيث يواليه من يؤديه إلى الهلاك، ثم يتركه ولا ينفعه، وهو الحامل له على مخاللة المضِل ومخالفة الرسل. وقيل : المراد به خليله أُبيّ، وسماه شيطاناً ؛ لأنه أضله كما يضله الشيطان. والله تعالى أعلم.
الإشارة : في الآية تحريض على محبة الرسول ﷺ وشد اليد علىالتمسك بسنته، والاهتداء بهديه، واتباع ما جاء به، قبل أن تقول : يا ليتني أتخذت مع الرسول سبيلاً. وفيها أيضاً : الترغيب في صحبة الأبرار، والترهيب من صحبة الفجار، وأنشد بعض الحكماء :
تَجَنَّبْ قَرِينَ السوء وَاصْرمْ حِبَالَهُ
فَإِن لَّمْ تَجِدْ عَنْهُ مَحيصاً فَدَارِهِ
وَأَحْبِبْ حَبِيبَ الصِّدْقِ وَاْحذَرْ مِرَاءَهُ