قلت :(وقال الرسول) : عطف على :(وقال الذين لا يرجون..)، وما بينهما : اعتراض ؛ لبيان قبح ما قالوا، وما يحيق بهم في الآخرة من الأهوال والخطوب.
يقول الحق جل جلاله :﴿وقال الرسولُ﴾ ؛ محمد ﷺ، وإيراده بعنوان الرسالة ؛ للرد في نحورهم، حيث كان ما حكي عنهم قدحاً في رسالته ﷺ، أي : قال، إثر ما شاهد
١٢٦
منهم من غاية العتو ونهاية الطغيان، شاكياً إلى ربه - عز وجل :- ﴿يا ربِّ إِن قومي﴾، يعني : قريشاً الذي حكى عنهم ما تقدم من الشنائع، ﴿اتخذوا هذا القرآنَ﴾، الذي من جملته الآيات الناطقة بما يحيق بهم في الآخرة من فنون العقاب، ﴿مهجوراً﴾ أي : متروكاً بالكلية، فلم يؤمنوا به ويرفعوا إليه رأساً، ولم يتأثروا بوعظه ووعيده، وهو من الهجران، وفيه تلويح بأن حق المؤمن أن يكون كثيرَ التعاهد للقرآن ؛ لئلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم. قال أنس : قال النبي ﷺ :" مَنْ تَعَلَّم القُرْآن ؛ فعلَّقَ مُصحفاً لَمْ يتعَاهَدْهُ، وَلَمْ يَنْظُرْ فيه، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتعَلِّقاً بِهِ، يَقُولُ : يَا رَبَّ العَالمينَ عَبْدُكَ هذَا اتَّخَذَنِي مَهْجُوراً، اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ". وقيل : هو من هجر ؛ إذا هذى، أي : قالوا فيه أقاويل باطلة، كالسحر، ونحوه، أو : بأن هجروا فيه إذا سمعوه، كقولهم :﴿لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـاذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ﴾ [فصلت : ٢٦] ؛ أي : مهجوراً فيه.
وفيه من التحذير والتخويف ما لا يخفى، فإن الأنبياء - عليهم السلام - إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجَّل لهم العذاب، ولم يُنظروا.


الصفحة التالية
Icon