ثم أقبل عليه ؛ مسلياً، وواعداً لنصره عليهم، فقال :﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين﴾ ؛ فتسلّ بهم، واقْتَدِ بمن قبلك من الأنبياء، فَمِنْ هنا سَاروا. أي : كما جعلنا لك أعداء من المشركين، يقولون ما يقولون، ويفعلون ما يفعلون من الأباطيل، جعلنا لكل نبي من الأنبياء، الذين هم أصحاب الشرائع والدعوة إليها، عدواً من مجرمي قومِهم، فاصبر كما صبروا ؛ فإن الله ناصرك كما نصرهم. ﴿وكفى بربك هادياً ونصيراً﴾، وهو وعد كريم بالهداية له إلى مطالبه، والنصر على أعدائه، أي : كفاك مالِكُ أمرِك ومُبَلغك إلى غاية الكمال، هادياً إلى ما يوصلك إلى غاية الغايات، التي من جملتها : تبليغ الكتاب، وإجراء أحكامه إلي يوم القيامة. أو : وكفى بربك هادياً لك إلى طريق قهرهم والانتصار منهم، وناصراً لك عليهم. والعدو : يجوز أن يكون واحداً وجمعاً، والباء زائدة، و ﴿هادياً ونصيراً﴾ : تمييزان. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٦
الإشارة : من السنة التي أجراها الله تعالى في خواصه : أن يكون جيرانهم وأقاربهم أزهد الناس فيهم، وأقواهم عليهم، وأعدى الناس إليهم. وفي الأثر :" أزْهَدُ النَّاس في العَالِم جِيرانُهُ " فلا ينتفع بالولي، في الغالب، إلا أبعدُ الناس منه، وقلَّ أن تجد ولياً عُمِّرَ سُوقُهُ في بلده، فالهجرة سنة ماضية، ولن تسجد لسنة الله تبديلاً. وكما جعل لكل نبي عدواً جعل لكل ولي عدواً، فلا بد للولي أن يبقى له من يحركه إلى ربه بالإذاية والتحريش، إما من جيرانه، أو من نسائه وأولاده ؛ ليكون سيره بين جلاله وجماله، وكفى بربك هادياً ونصيراً.
١٢٧
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٦


الصفحة التالية
Icon