وقال القرطبي بعد كلام : أيضاً : لو أنزل جملة، بما فيه من الفرائض ؛ لثقل عليهم، وأيضاً : في تفريقه تنبيه لهم، مرة بعد مرة، وهو أنفع لهم، وأيضاً فيه ناسخ ومنسوخ، ولو نزل ذلك جملة لنزل فيه الأمر بالشيء وبتركه، وهو لا يصح. هـ. وقال النسفي : لنقوي، بتفريقه، فؤادك ؛ حتى تعيه وتحفظه ؛ لأن المتلقي إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئاً بعد شيء، وجزءاً عقب جزء، ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه. أو : لنُثبت به فؤادك عن الضجر ؛ وذلك بتواتر الوصول وتتابع الرسول ؛ لأن قلب المحب يسكن بتواصل كتب المحبوب. هـ.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٨
ورتلناه ترتيلا﴾ أي : كذلك فرقناه ورتلناه ترتيلاً بديعاً عجيباً، أي : قدرناه آية بعد
١٢٨
آية ووقفة عقب وقفة، وأمرنا بترتيل قراءته، بقولنا :﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ [المزمل : ٤] أو : فصلناه تفصيلاً، أو : بيّناه تبييناً فيه ترتيل وتثبيت. ﴿ولا يأتونك بمَثَلٍ﴾ ؛ بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة، واقتراحاتهم الفاسدة الخارجة عن دائرة العقول، الجارية لذلك مجرى الأمثال، ﴿إلا جئناك بالحقِّ﴾ ؛ إلا أتيناك بالجواب الحق الذي لا محيد عنه، الذي ينحى عليه بالإبطال ويحسم مادة القيل والقال، كما مر من الأجوبة الحقية، القالعة لعروق أسئلتهم الشنيعة، الدامغة لها بالكلية. وجئناك بأحسن ﴿تفسيراً﴾ أي : بيانأ وتفصيلاً، بمعنى أنه في غاية ما يكون من الحسن في حد ذاته، لا أن ما يأتون به حَسَنٌ، وهذا أحسن منه، وإنما المعنى : لا يسألونك عن شيء غريب إلا جئناك بما يبطله وما يكشف معناه، ويفسره غاية التفسير.