ثم ذكر مآل الكفرة المقترحين لهذه الشُّبَهِ، فقال :﴿الذين يُحشرون على وجوههم إلى جهنم﴾ أي : يُحشرون كائنين على وجوههم، يُسبحون عليها، ويجرون إلى جهنم. وقيل : مقلوبين ؛ وجوههم إلى قفاهم، وأرجلُهم فوق، ﴿أؤلئك شرٌّ مكاناً﴾ أي : مكانة ومنزلة، أو : مسكناً ومنزلاً، ﴿وأضلُّ سبيلا﴾ ؛ وأخطأ طريقاً.
ونزلت الآية لَمَّا قالوا : إن أصحاب محمد شر خلق الله وأضل الناس طريقاً. وقيل : المعنى : إن حاملكم على هذه السؤالات اعتقادُكُمَ أن محمداً ضال، ومكانه حقير، ولو نظرتم إلى ما يؤول إليه أمركم، لعلمتم أنكم شر منه مكاناً، وأضل سبيلاً. والله تعالى أعلم.
الإشارة : تثبيت القلوب على الإيمان، وتربية اليقين، يكون بصحبة الأبرار ورؤية العارفين الكبار، والترقي في معاريج التوحيد، إلى أن يفضي إلى مقام العيان، يكون بعقد الصحبة مع أهل التربية، وخدمتهم وتعظيمهم، حتى يوصلوه إلى ربه. ومن شأنهم أن الله يدافع عنهم، ويجيب من سألهم تشغيباً، فيلهمهم الجواب، فضلاً منه، فلا يُسألون عن شيء إلا جاءهم بالحق وأحسن تفسيراً، ثم هدد من صغَّرهم وحقَّر شأنهم بقوله :﴿الذين يُحشرون...﴾ الآية. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٨
يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد آتينا موسى الكتاب﴾ ؛ أُنزل عليه جملة، ومع ذلك كفروا وكذبوا به، كما قال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِىَ مُوسَىا مِن قَبْلُ﴾ [القصص : ٤٨]، فكذلك هؤلاء، لو نزل جملة، كما اقترحوا، لكفروا وكذبوا كما كذَّب أولئك. ﴿وجعلنا
١٢٩
معه أخاه هارونَ وزيراً﴾، فأخاه : مفعول أول لجعل، و (وزيراً) : مفعول ثان، أي : جعلنا معه أخاه مقوياً ومعيناً. والوزير : من يُرجع إليه ويُتَحَصَّنُ برأيه، من الوزَر، وهو الملجأ.
والوزارة لا تنافي النبوة ؛ فقد كان يُبعث في الزمن الواحد أنبياء، ويُؤمرون أن يوازر بعضهم بعضاً. أو : يكون وزيراً أول مرة ورسولاً ثانياً.