﴿فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذّبوا بآياتنا﴾ أي : فرعون وقومه. والمراد بالآيات : التسع الظاهرة على يد موسى عليه السلام، ولم يتصف القوم بالتكذيب عند إرسالها إليهم ضرورة ؛ لتأخير تكذيب الآيات عن إظهارها المتأخر عن إرسالها، بل إنما وُصفوا بذلك عند الحكاية لرسول الله ﷺ، بياناً لعلة استحقاقهم، لما حكي بعده من التدمير. أي : فذهبا إليهم فأرياهم آياتنا كلها، فكذبوهما تكذيباً مستمراً، ﴿فدمَّرناهم﴾ إثر ذلك ﴿تدميراً﴾ عجيباً هائلاً، لا يقادر قدره، ولا يدرك كنهه. فاقتصر على حاشيتي القصة ؛ اكتفاء بما هو المقصود. انظر أبا السعود.
الإشارة : أعباء الرسالة والولاية لا تحمل ولا تظهر إلا بمُعين. قال تعالى :﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَىا﴾ [المائدة : ٢]، ولا بد لصاحب الخصوصية من إخوان يستعين بهم على ذكر الله، ويستظهر بهم على إظهار طريقة الله. فإن وُجد وَليّ لا إخوان له، ولا أولاد، فلا يكون إلا غالباً عليه القبض، مائلاً لجهة الجذب، فيقل الانتفاع به، ولا تحصل التوسعة للوَلي إلا بكثرة الأصحاب والإخوان، يعالجهم ويصبر على جفاهم، حتى يتسع صدره وتتسع معرفته. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٩
قلت :(وقوم) : منصوب بمضمر يدل عليه (دمرناهم)، أي : ودمرنا قوم نوح، و (عاداً وثموداً) : عطف على (قوم نوح).
يقول الحق جل جلاله :﴿و﴾ دمرنا أيضاً ﴿قومَ نوحٍ﴾، وذلك أنهم ﴿لمَّا كذَّبوا الرسلَ﴾ ؛ نوحاً، ومن قبله شَيْثاً وإدريس، أو : لأن تكذيبهم لواحد تكذيب للجميع ؛ لاتِّفَاقِهمْ على التوحيد والإسلام، ﴿أغرقناهم﴾ بالطوفان، ﴿وجعلناهم﴾ أي : وجعلنا إغراقهم أو قصتهم ﴿للناس آية﴾ : عبرة يعتبر بها كل من يشاهدها أو يسمعها.
﴿وأَعْتَدنا﴾ ؛ هيأنا ﴿للظالمين﴾ أي : لهم. وأظهر في موضع الإضمار ؛ للإيذان بتجاوزهم الحد في الظلم، أو لكل ظالم ظلم شرك، فيدخل كل من شاركهم، كقريش وغيرهم،