﴿وقُُروناً﴾ أي : دمرنا أهل قرون. والقرن سبعون سنة، وقيل : أقل، وقيل : أكثر، ﴿بين ذلك﴾ أي : بين ذلك المذكور من الأمم والطوائف، ﴿كثيراً﴾، لا يعلم عددها إلا العليمُ الخبير، ﴿وكلاً﴾ من الأمم المذكورين قد ﴿ضربنا له الأمثالَ﴾ أي : بيَّنا له القصص العجيبة، الزاجرة عما هم عليه من الكفر والمعاصي، بواسطة الرسل. وقيل : المراد : تبيين ما وقع لهم، ووصف ما أدى إليه تكذيبهم لأنبيائِهِمْ، من عذاب الله وتدميرهم إياهم، ليكون عبرة لمن بعدهم، ﴿وكلاً﴾ أي : وكل واحد منهم ﴿تَبَّرنا تتبيراً﴾ أي : أهلكنا إهلاكاً عجيباً. والتتبير : التفتيت. قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته.
ثم بيّن بعض آثار الأمم المُتَبَّرَةِ، فقال :﴿ولقد أَتَوْا﴾ يعني : أهل مكة ﴿على القرية﴾، وهي سدوم، وهي أعظم قرى قوم لوط، وكانت خمساً، أهلك الله أربعاً، وبقيت واحدة، كان أهلها لا يعملون الخبيث، وأما البواقي فأهلكها بالحجارة، وإليه أشار بقوله :﴿التي أُمطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ أي : أمطر الله عليها الحجارة. والمعنى : والله لقد أتى قريش في متاجرهم إلى الشام على القرية التي أهلكها الله، وبقي آثارها خاربة، ﴿أَفَلَمْ يكونوا يرونها﴾ في مرورهم ورجوعهم فيتفكرون ويؤمنون، ﴿بل كانوا لا يرجون نُشُوراً﴾ أي : بل كانوا قوماً كفرة بالبعث، لا يخافون ولا يأملون بعثاً، كما يأمله المؤمنون ؛ لطمعهم في الوصول إلى ثواب أعمالهم. أو : بل كانوا قوماً كفرة بالبعث، منهمكين في الغفلة، يرون ما نزل بالأمم أمر اتفاقياً، لا بقدرة الباقي، فطابع الكفر منعهم من التفكر والاعتبار. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٠


الصفحة التالية
Icon