وهو الذي أرسل الرياحَ}، وعن المكي بالإفراد، ﴿نشراً﴾ : جمع نشور، أي : أرسلها للسحاب حتى تسوقها إلى حيث أراد تعالى أن تمطر، ﴿بين يدي رحمته﴾ أي : أرسلها قدام المطر، لأنه ريح، ثم سحاب، ثم مطر. وقرأ عاصم الباء، أي : مبشرات بالمطر. ﴿وأنزلنا من السماء ماءً طَهُوراً﴾ أي : مطهراً بالغاً في التطهير، كقوله :﴿لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ﴾ [الأنفال : ١١] وهو اسم لما يتطهر به، كالوضوء والوقود، لِمَا يتوضأ به ويوقد به. وقيل : طهور في نفسه، مبالغة في الطاهرية، فالطهور في العربية يكون صفة، كما تقول : ماء طهور، واسماً، كما في قوله ﷺ :" التراب طهور، والمؤمن طهور " وقد يكون مَصْدَراً بمعنى الطهارة، كقولك : تطهرت طهوراً حسناً، ومنه قوله ﷺ :" لا صلاة إلا بطهور " ووصْفُهُ تعالى الماءَ بذلك ؛ ليكون أبلغ في النعمة، فإن الماء الطهور أنفع
١٣٥
وأهنأ مما خالطه ما يزيل طهوريته، أي : أنزلناه كذلك. ﴿لنُحيي به﴾ أي : بالمطر الطهور ﴿بلدةً ميتاً﴾ بالجدب والقحط، فحييت بالنبات والعشب. والتذكير ؛ لأن البلدة بمعنى البلد، والمراد به : القطعة من الأرض عامرة أو غامرة. ﴿ونُسْقِيَهُ﴾ أي : ذلك الماء الطهور، عند جريانه في الأودية، أو اجتماعه في الآبار والحياض، ﴿مما خلقنا أنعاماً وأَنَاسِيَّ كثيراً﴾ أي : نسقي ذلك بهائم وناساً كثيراً. والأناسي : جمع أُنْسِيّ، ككرسي وكراسي. وقيل : جمع إنسان، وأصله : أناسين، وأبدلت النون ياءً، وأدغمت التي قبلها فيها. وقدَّم إحياء الأرض على سقي الأنعام والأناسي ؛ لأن حياتها سبب لحياتهما. وتخصيص الأنعام من بين سائر الحيوان ؛ لأن عامة منافع الإنسان متعلقة بها.