﴿ولقد صرَّفناه﴾ أي : هذا القول، الذي هو إنشاء السحاب وإنزال المطر، على الوجه الذي مرّ من الغايات الجميلة، في القرآن وغيره من الكتب السماوية، أو : صرفنا المطر عاماً بعد عام وفي بلدة دون أخرى. أو صرفناه بينهم وابلاً، وطَلاًّ، ورذاذاً وديمة. وقيل : التصريف راجع إلى الريح. وقيل : إلى القرآن المتقدم في قوله :﴿لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن﴾ [الفرقان : ٣٢] ويعضده :﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ﴾ [الفرقان : ٥٢]. وقوله :﴿بينهم﴾ أي : بين الناس جميعاً متقدمين ومتأخرين، ﴿ليذَّكَّرُوا﴾ ؛ ليتفكروا ويعرفوا قدر النعمة فيه، أو : ليعرفوا بذلك كمال قدرته وسعة رحمته، ﴿فأبَى أكثرُ الناس﴾ ممن سلف وخلف ﴿إلا كفوراً﴾ أي : جُحُداً لهذه النعمة وقلة اكْتِرَاثٍ بها، وربما نسبوها إلى غير خالقها، فيقولون : مُطرنا بنَوْء كذا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٤
وفي البخاري عنه ﷺ يقول الله تعالى :" أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وكَافِرٌ، فَأَما مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْل الله ورَحْمَتهِ ؛ فَذلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بالكَواكِب. وأما مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، فهو كافِرُ بِي، مُؤْمِنٌ بالكَواكِبِ " فمن نسب الأمطار إلى الأنواء، وجَحَد أن تكون هي والأنواء من خلق الله، فقد كفر، ومن اعتقد أن الله خالقها، وقد نصب الأنواء أمارات ودلالات عليها، لم يكفر.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :" ليس سَنَةٌ بأمطر من الأخرى، ولكن الله تعالى قسم هذه الأرزاق، فجعلها في سماء الدنيا، في هذا القطر، ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم. ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حوَّل الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار " والله تعالى أعلم.
الإشارة : الكون كله، من جهة حسه الظاهر، ظل آفل، وضباب حائل، لا وجود له
١٣٦