﴿وجاهِدْهُمْ به﴾ أي : بالقرآن ؛ بأن تقرأ عليهم ما فيه من الزواجر والقوارع والمواعظ، وذكر أحوال الأمم الهالكة، ﴿جهاداً كبيراً﴾ ؛ عظيماً موقعه عند الله ؛ لما يتحمل فيه من المشاق، فإن دعوة كُلِّ العالمين، على الوجه المذكور، جهاد كبير، أو :(جاهدهم به) ؛ بالشدة والعنف ؛ من غير مداراة ولا ملاينة، فَكِبَرُ الجهادِ هو ملابسته بالشدة والعنف، كقوله :﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة : ٧٣]. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الإنذار والوعظ بالمقال مع الهمة والحال عزيز الوجود، فقلَّ أن يجتمع منهم، في العصر الواحد، ثلاثة أو أربعة في الإقليم الكبير ؛ لأن الله تعالى لم يشأ ذلك بحكمته، قال تعالى :﴿ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً﴾، وكلما قَلَّ عددهم، وعظُم الانتفاع بهم، عظُم قدرهم، فينبغي للمذكِّر أن يُذكِّر كلاًّ بما يليق به، فأهل العصيان ينبغي له أن يشدد في الإنذار، ولا يداريهم ولا يداهنهم. وأهل الطاعة ينبغي له أن يُبشِّرهم ويسهل الأمر عليهم، وقد قال ﷺ :" يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تُنَفِّرُوا "، فيحتاج المذكِّر إلى فطنة وفراسة، حتى يعطي كل واحد ما يليق به، ويخاطب كل واحد بما يطيقه. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٧
قلت : أصل المرج : الخلط والإرسال، ومنه قوله تعالى :﴿فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ﴾ [ق : ٥]، وقوله ﷺ :" كيف بك يا عبدَ اللهِ إذا كنت في حُثَالةٍ من الناس، قد مرجتْ عهودهُمْ وأماناتهمْ، وصاروا هكذا، وشَبَّكَ بين أصابعه ". يقال : مرج دابته وأمرجتها : إذا أرسلتها في المرعى. ومنه قيل للروضة : مرج.