يقول الحق جل جلاله :﴿وهو الذي مَرَجَ البحرين﴾ أي : أرسلهما، وخَلاَّهُمَا متجاورَيْن متلاصقَيْن غير متمازجَيْن. ﴿هذا عذبٌ فُرَاتٌ﴾ أي شديد العذوبة، قامع للعطش ؛ لعذوبته، أي : برودته، ﴿وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ﴾ : بليغ الملوحة، أو هذا عذب لا ملوحة فيه، وهذا ملح لا عذوبة فيه، مع اتحاد جنسهما، ﴿وجعل بينهما برزخاً﴾ ؛ حائلاً بقدرته، يفصل بينهما ويمنعهما التمازج ؛ لئلا يختلطا، ﴿وحِجْراً محجوراً﴾ أي : وستراً ممنوعاً عن الأعين، كقوله :﴿حِجَاباً مَّسْتُوراً﴾ [الإسراء : ٤٥]، أي : جعل بينهما حاجزاً خفياً ؛ لئلا يغلب أحدهما الآخر، أو : سداً ممنوعاً يمنعهما فلا يبغيان، ولا يفسد الملحُ العذبَ، ولو خَلاَّ الله تعالى البحر الملح، ولم يلجمه بقدرته، لفاض على الدنيا، واختلط مع العذب وأفسده.
ثم ذكر دليلاً آخر، فقال :﴿وهو الذي خلقَ من الماءِ﴾ أي : النطفة ﴿بَشَراً﴾ ؛ إنساناً ﴿فجعله نسباً وصِهْراً﴾. قسم البشر قسمين : ذوي نسب، أي ذكوراً، ينسب إليهم، فيقال : فلان ابن فلان. وذوات صهر، أي : إناثاً يصاهر بهن، فهو كقوله :﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَىا﴾ [القيامة : ٣٩]. قال ابن جزي : والنسب : أن يجتمع إنسان مع آخر في أب أو أمّ، قَرُبَ ذلك أو بَعُدَ. والصهر : هو الاختلاط بالتناكح. هـ. وعن علي رضي الله عنه : النسب ما لا يحل نكاحه، والصهر : ما يحل نكاحه. وعن الضحاك ومقاتل : النسب سبعة، والصهر خمسة، ثم قرأ هذه الآية :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء : ٢٣]. فالسبعة الأولى : نسب، والباقي : صهر. هـ. والأصح أن التسعة نسب، والباقي صهر.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٨
وكان ربك قديراً﴾
؛ حيث خلق من النطفة الواحدة بشراً ذا نوعين، ذكراً وأنثى، أو : حيث خلق من مادة واحدة بشراً ذا أعضاء مختلفةٍ وطباعٍ متباعدة، وجعله قسمين متقابلين ؛ ذكراً وأنثى.


الصفحة التالية
Icon