﴿ويعبدون من دون الله﴾ ؛ بعد هذا البرهان الواضح على توحيده، ﴿ما لا ينفعُهم﴾ إن عبدوه، ﴿ولا يضرُّهم﴾ إن تركوه، وهم الأصنام، أو كل من عبد من دون الله ؛ إذ
١٣٩
المخلوق كله عاجز، ﴿وكان الكافر على ربه﴾، الذي ذكر آثار قدرته ودلائل ربوبيته، ﴿ظَهِيراً﴾ ؛ مُعِيناً، يظاهر الشيطان ويعينه على الكفر والعصيان. والمعنى : أن الكافر ؛ بعبادة الصنم، يتابع الشيطان ويُعاونه على معصية الرحمن. وقال ابن عرفة : أي : مظاهراً لأعداء الله على أولياء الله، فتلك إعانته. هـ.
الإشارة : مَرج البحرين ؛ بحر الشريعة وبحر الحقيقة، فبحر الشريعة عذب فرات ؛ لأنه سهل المدارك، يناله الخاص والعام، وبحر الحقيقة ملح أجاج ؛ لأنه لا يناله إلا من ذاق مرارة فطام النفس من هواها، ومجاهدتها في ترك مُنَاها، حتى تموت ثم تحيا، فحينئذٍ تتلذذ بمشاهدة مولاها، وتطيب حياتها في أخراها ودنياها. فبحر الحقيقة صعب المرام، لا يركبه إلا الشجعان، وفي ذلك يقول صاحب العينية رضي الله عنه :
وَإِيَّاك جَزْعاً لا يَهُولُكَ أَمْرُهَا
فَمَا نَالَهَا إلاَّ الشُّجَاعُ المُقَارعُ
والبرزخ الذي جعل بينهما : نور العقل، يميز بين محل الشرائع ومحل الحقائق، فيعطي كل ذي حق حقه، ويوفي كل ذي قسط قسطه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٨
يقول الحق جل جلاله :﴿وما أرسلناك﴾ يامحمد ﴿إلا مبشراً﴾ للمؤمنين ﴿ونذيراً﴾ للكافرين، ﴿قل ما أسألكم عليه﴾ ؛ على تبليغ الرسالة ﴿من أجْرٍ﴾ من جهتكم، فتقولون : أن يتخذ إلى ربه طريقاً تُوصله إليه، بإنفاقِهِ مَالَهُ في سبيل الله، فليفعل وليعطه لغيره.


الصفحة التالية
Icon