وقيل : الاستثناء متصل، أي : لا أسألكم عليه أجراً، إلا فعل من يريد أن يتقرب إليه تعالى، ويطلب الزلفى عنده بالإيمان والطاعة، حسبما أدعوكم إليهما. فَصوّر ذلك بصورة الأجر ؛ من حيث أنه مقصود الإتيان به، واستثناه منه ؛ قطعاً لشائبة الطمع، وإظهاراً لغاية الشفقة عليهم، حيث جعل ذلك، مع كون نفعه عائداً إليهم، عائداً إليه صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : العلماء بالله خلفاء الرسل، فما أظهرهم الله في كل زمان إلا ليذكروا الناس ويعظوهم ويبشروهم ويُنذروهم، من غير عوض ولا طمع، فإن تعلقت همتهم بشيء من عرض الدنيا ؛ من أيدي الناس، كسَف ذلك نورهم، ونقص نفعهم، وقَلَّ الاهتداء على أيديهم، وقدم تقدم هذا مراراً. وبالله التوفيق.
١٤٠
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٠
يقول الحق جل جلاله :﴿وتوكَّلْ على الحيّ الذي لا يموتُ﴾ في الاستكفاء عن شرورهم، والاغتناء عن أجورهم، أي : ثق به ؛ فإنه يكفيك عن الطمع فيمن يموت، فلا تطلب على تبليغك من مخلوق أجراً، فإن الله كافيك. قرأها بعض الصالحين فقال : لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق. ﴿وسَبَّحْ﴾ أي : ونزهه أن يكل إلى غيره مَنْ تَوَكَّلَ عليه، ﴿بحمده﴾ أي : بتوفيقه الذي يوجب الحمد، أو : قل سبحان الله وبحمده، أو : نزهه عن صفات النقصان، مثنياً عليه بنعوت الكمال، طالباً لمزيد الإنعام، ﴿وكفى به بذنوب عباده خبيراً﴾ أي : كفى الله خبيراً بذنوب عباده، ما ظهر منها وما بطن، يعني : أنه خبير بأحوالهم، كافٍ في جزاء أعمالهم.