ومنه : الغريم ؛ لملازمته غريمه، وصفهم بإحياء الليل ساجدين وقائمين، وعقّبه بذكر دعوتهم هُنا ؛ إيذاناً بأنهم، مع اجتهادهم، خائفين مبتهلين إلى الله في صرف العذاب عنهم ﴿إنها ساءت مستقراً ومُقاماً﴾، أي : إن جهنم قَبُحَت مستقراً ومقاماً لهم. و " ساءت " : في حكم " بئست "، وفيها ضمير مبهم يفسره ﴿مستقراً﴾. والمخصوص بالذم : محذوف، أي : ساءت مستقراً ومقاماً هي. وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم " إن ".
﴿والذين إذا أنفقوا لم يُسْرفُوا﴾ ؛ لم يجاوزوا الحد في النفقة. وعن ابن عباس : لم ينفقوا في المعاصي. فالإسراف : مجاوزة حد الأمر، لا مجاوزة القدر. وسمع رجلٌ رجلاً يقول : لا خير في الإسراف، فقال : لا إسراف في الخير. وقال ﷺ :" من منع حقاً فقد قتر، ومن أعطى في غير حق فقد أسرف " ﴿ولم يَقْتُرُوا﴾، القتر والإقتار والتقتير : التضييق. وقرئ بالجميع، ﴿وكان بين ذلك قواماً﴾ أي : وكان إنفاقهم بين الإسراف
١٤٥
والإقتار قواماً ؛ عدلاً بينهما. فالقوام : العدل بين الشيئين. قال أبو عبيدة : لم يزيدوا على المعروف، ولم يخلو به، لقوله :﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىا عُنُقِكَ﴾ [الإسراء : ٢٩] الآية. وقال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية : أولئك أصحاب محمد ﷺ، كانوا لا يأكلون الطعاماً للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوباً للجمال والزينة. ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدُّ عنهم الجوع، ويقويهم على عبادة ربهم، ومن الثياب ما يستر عوراتهم، ويُكِنُّهم من الحرّ والبرد.