﴿ومن تاب وعمل صالحاً فإِنه يتوب إلى الله مَتَابَا﴾ أي : ومن تاب، وحقق التوبة بالعمل الصالح، فإنه بذلك تائب إلى الله متاباً مُرْضِياً مكفراً للخطايا. وسبب نزول الآية : أن ناساً من المشركين قَتَلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا النبي ﷺ فقالوا : إن الذي تدعو إليه لَحَسنٌ لو تخبرنا أنَّ لِمَا عَمِلْنَاهُ كَفَّارَةً. فنزلت :﴿والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر...﴾ إلى قوله :﴿إلا من تاب...﴾ إلخ. والظاهر أن توبة قاتل النفس بغير حق مقبولة ؛ لعموم قوله :﴿إلا من تاب﴾، وهو قول الجمهور. وقيل : إن هذه منسوخة بآية النساء، وهو ضعيف والله تعالى أعلم.
الإشارة : من قنع من نفسه بمجرد الإسلام والإيمان، ولم تنهضه نفسه إلى التشوف لمقام الإحسان، لا بد أن يلحقه الندم وضرب من الهوان، ولو دخل فسيح الجنان ؛ لتخلفه عن أهل القرب والوصال، وفي ذلك يقول الشاعر :
مَنْ فَاتَهُ مِنْكَ وَصْلٌ حَظُّهُ النَّدَمُ
ومَنْ تَكُنْ هَمَّهُ تَسْمُو به الهِمَمُ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٤
يقول الحق جل جلاله :﴿والذين لا يشهدون الزورَ﴾ أي : لا يقيمون شهادة الكذب، أو لا يحضرون محاضر الكذب ؛ فإنَّ مشاهدة الباطل مشاركة فيه، أي : يبعدون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطَّائين، فلا يقربونها، تَنَزُّها عن مخالطة الشر وأهله. وفي مواعظ عيسى - عليه السلام - : إياكم ومجالسَ الخطَّائين. ﴿وإِذا مَرُّوا باللغو﴾ أي : بالفحش وكل ما ينبغي أن يلغى ويُطرح، والمعنى : وإذا مروا بأهل اللغو المشتغلين به ﴿مَرُّوا كراماً﴾ معرضين عنه، مكرمين أنفسهم عن التلوث به، كقوله :﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ﴾ [القصص : ٥٥]، وعن الباقر : إذا ذَكروا الفروج كفوا عنها، وقال مقاتل : إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا عنه وصفحوا.