﴿واجعلنا للمتقين إماماً﴾ أي : أئمة يقتدى بنا في الدين، فاكتفى بالواحد ؛ لدلالته على الجنس، أو : واجعل كل واحد منا إماماً ؛ أي : من أولادنا إماماً. والظاهر : أن صدور هذا الدعاء منهم كان بطريق الانفراد ؛ إذ يتعذر اجتماعهم في دعاء واحد. وإنما كانت عبارة كل واحد منهم عند الدعاء : واجعلني للمتقين إماماً، غير أنه حكيت عبارة الكل بصيغة المتكلم مع الغير ؛ قصداً إلى الإيجاز، كقوله تعالى :﴿ياأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [المؤمنون : ٥١]. وأبقى إماماً على حاله من الانفراد. قيل : وفي الآية دليل على أن الرئاسة في الدين ينبغي أن تُطلب ويُرغب فيها، إذا كان القصد نفع عباد الله دون حظ نفساني. ﴿أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة﴾، جنس، أي : الغرفات، وهي العلالي في الجنة. ووحده بقصد الجنس. ﴿بما صبروا﴾ ؛ بصبرهم على مشاق الطاعات، وترك الشهوات، وتحمل المجاهدات، وعلى إذاية أهل الإنكار، وارتكاب الذل والافتقار. ﴿ويُلَقَّون فيها تحيةً وسلاماً﴾ أي : تحييهم الملائكة، ويدعون لهم بطول الحياة والسلامة من الآفات. أو : يُحيي بعضُهم بعضاً، ويسلمون عليهم، ﴿خالدين فيها﴾ ؛ لا يموتون ولا يخرجون، ﴿حَسُنتْ﴾ أي : الغرفة ﴿مستقراً ومُقاماً﴾ ؛ موضعَ قرارٍ وإقامة، وهي مقابلة :﴿ساءت مستقراً ومقاماً﴾.
﴿قل﴾ يا محمد :﴿ما يعبأُ بكم ربي لولا دعاؤكم﴾ أي : ما يصنع بكم ربِّي، وأي فائدة في خلقكم، لولا دعاؤكم إلى الإسلام والتوحيد، أو : لولا عبادتكم له، أي : إنما خلقكم لعبادته ؛ كقوله :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات : ٥٦] ؛ فإنما خلق الإنسان لمعرفته وطاعته، وإلا فهو وسائر البهائم سواء. قال المحشي : والظاهر : أنه خطاب لقريش القائلين :﴿أنسجد لما تأمرنا﴾ أي : لا يحفل بكم ربي لولا تضرعكم
١٤٩
واستغاثتكم إياه في الشدائد. هـ.


الصفحة التالية
Icon