قال كلا فاذهبا} ؛ لأنه استدفعه بلاءهم، فوعده بالدفع بردعه عن الخوف، والتمس منه رسالة أخيه، فأجابه بقوله :﴿اذهبا﴾، أي : جعلتُه رسولاً معك ﴿فاذهبا بآياتنا﴾ أي : مع آياتنا، وهو اليد والعصا وغير ذلك، فقوله :﴿فاذهبا﴾ : عطف على مضمر، يُنبئ عنه الردع، كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظن، فاذهب أنت ومن استدعيته مصحوباً بآياتنا، فإنها تدفع ما تخافه.
﴿إنّما معكم مستمعون﴾ أي : سامعون ما يقال لك، وما يجري بينكما وبينه، فنظهركما عليه. شبَّه حاله تعالى بحال ذي شوكة قد حضر مجادلة، فسمع ما يجري بينهم، فيمد أولياءه وينصرهم على أعدائهم ؛ مبالغة في الوعد بالإعانة، فاستعير الاستماع، الذي هو الإصغاء للسمع، الذي هو العلم بالحروف والأصوات، وهو تعليل ؛ للردع عن الخوف، ومزيد تسلية لهما، بضمان كمال الحفظ والنصر، كقوله تعالى :﴿إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىا﴾ [طه : ٤٦].
﴿فَأْتِيَا فرعونَ فقولا إِنا رسولُ ربِّ العالمين﴾، ليس هذا مجرد تأكيد للأمر بالذهاب ؛ لأن معنى هذا : الوصولُ إلى المرسل إليه، والذهاب : مطلق التوجه، ولم يُثَنَّ الرسول هنا كما ثناه في سورة طه ؛ لأن الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة، فيكون مصدراً، فَجُعِلَ ثَمَّةَ بمعنى المُرْسَل فثنى، وجعل هنا بمعنى الرسالة، فسوّى في الوصف به الواحد والتثنية والجمع، كما تقول : رجل عدل، ورجلان عدل، ورجال عدل ؛ لاتحادهما في شريعة واحدة، كأنهما رسول واحد. قلت : والنكتة في إفراد هذا وتثنية الآخر ؛ أن الخطاب في سورة طه توجه أول القصة إليهما معاً بقوله ﴿اذهب أنت وأخوك﴾ فجرى في آخر القصة على ما افتتحت به، وهنا توجه الخطاب في أولها إلى
١٥٥
موسى وحده، بقوله :﴿وإِذا نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين﴾، فجرى على ما افتتح به القصة من الإفراد. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon