وحين انقطعت حجة فرعون وروغانه عن ذكر رب العالمين، أخذ يستفهم موسى عن الذي ذكر أنه رسول من عنده ؛ مكابرة وتجاهلاً وتعامياً، طلباً للرئاسة، كما قال تعالى :﴿قال فرعونُ وما ربُّ العالمين﴾، أي : أيُّ شيء رب العالمين، الذي ادعيت أنك رسوله منكراً لأن يكون للعالمين رب غيره، حسبما يعْربُ عنه قوله :﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعْلَى﴾ [النازعات : ٢٤]، وقوله :﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرِي﴾ [القصص : ٣٨]. أو : فما صفته، أو حقيقته ؟ ﴿قال﴾ موسى : هو ﴿ربُّ السمواتِ والأرضِ وما بينهما﴾ أي : ما بين الجنسين، ﴿إن كنتم موقنين﴾ أي : إن كنتم موقنين بالأشياء، محققين لها، علمتم ذلك، أو : إن كنتم موقنين شيئاً من الأشياء، فهذا أولى بالإيقان ؛ لظهور دليله وإنارة برهانه.
﴿قال﴾ فرعونُ، عند سماع جوابه عليه السلام، خوفاً من تأثيره في قلوبهم، ﴿لِمن حولَه﴾ من أشراف قومه، وكانوا خمسمائة مسورة بالأسورة :﴿أَلا تستمعون﴾، أنا أسأله
١٥٧
عن الماهية، وهو يجيبني بالخاصية. ولما كانت ما هي الربوبية لا تُدرك ولا تنال حقيقتها، أجابه بما يمكن إدراكه من خواص الماهية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٦
ثم ﴿قال﴾ عليه السلام :﴿ربُّكم وربُّ آبائكم الأولين﴾ أي : هو خالقكم وخالق آبائكم الأولين، أي : وفرعون من جملة المخلوقين فلا يصلح للربوبية، وإنما قال :﴿ورب آبائكم﴾ ؛ لأن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم.