أي : اجتمعوا. وعبّر بالاستفهام ؛ حثّاً على الاجتماع. واستبطاء لهم، والمراد : استعجالهم إليه، ﴿لعلنا نتبعُ السحرةَ﴾ في دينهم ﴿إن كانوا هم الغالبين﴾ أي : إن غلبوا موسى، ولا نتبعُ موسى في دينه، وليس غرضهم اتباع السحرة، وإنما الغرض الكلي ألا يتبعوا موسى، فساقوا كلامهم مساق الكناية ؛ حملاً لهم على الاهتمام والجد في المغالبة ؛ لأنهم إذا اتبعوا السحرة لم يكونوا متبعين لموسى، وهو مرادهم، ولأن السحرة إذا سمعوا ذلك حملهم التروس على الجد في المغالبة.
﴿فلمَّا جاءَ السَّحَرةُ قالوا لفرعون أئِنَّ لنا لأجراً﴾ أي : جزاء وافراً ﴿إِن كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ﴾ لموسى ؟ ﴿قال نعم﴾ لكم ذلك، ﴿وإنكم﴾ مع ذلك، ﴿إذاً لمن المقربين﴾ عندي في المرتبة والحال، فتكونون أول من يدخل عليّ، وآخر من يخرج عني. ولما كان قوله :﴿أئِنَّ لنا لأجراً﴾، في معنى جزاء الشرط ؛ لدلالته عليه، وكان قوله :﴿وإنكم إذاً﴾ : معطوفاً عليه، دخلت " إذاً " ؛ قارة في مكانها، الذي تقتضيه من الجواب والجزاء.
﴿قال لهم موسى﴾ بعد أن قالوا له :﴿إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىا﴾ [طه : ٦٥] :﴿أَلْقُوا ما أنتم مُلْقُونَ﴾ من السحر، فسوف ترون عاقبته. لم يُرد به الأمر بالسحر والتمويه، بل الإذن في تقديم ما هم فاعلوه البتة ؛ توسلاً به إلى إظهار الحق وإبطال الباطل، ﴿فَأَلْقَواْ حِبَالَهم وعِصِيَّهُم﴾، وكانوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصاً. وقيل : كانت الحبال اثنين وسبعين، وكذا العصِيِّ. ﴿وقالوا﴾ بعد الإلقاء، لما رأوها تتحرك وتقبل وتُدبر :﴿بعزَّةِ فرعونَ إنا لنحن الغالبون﴾، قالوا ذلك ؛ لفرط اعتقادهم في أنفسهم، وإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر، أقسموا بعزته وقوته، وهو من أيمان الجاهلية. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٠