الإشارة : السحر على قسمين : سحر القلوب إلى حضرة الحق، وسحر النفوس إلى عالم الخلق، أو : إلى عالم الخيال. فالأول : من شأن العارفين بالله، الداعين إلى الله، فهم يسحرون قلوب من أتى إليهم إلى حضرة القدس، ومحل الأنس، فيقال في شأنهم : فجمع السحرة بقلوبهم، إلى مقات يوم معلوم، وهو يوم الفتح والتمكين، أو يوم النفحات، عند اتفاق جمعهم في مكان معلوم. وقيل للناس، وهم عوام الناس : هل أنتم مجتمعون لتفيقوا من سكرتكم، وتتيقظوا من نوم غفلتكم، لعنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين، ولا شك في غلبتهم ونصرهم ؛ لقوله تعالى :﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ [الحج : ٤٠].
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٠
يقول الحق جل جلاله :﴿فألقى موسى عصاه﴾ من يده، ﴿فإِذا هي تلقفُ﴾ أي : تبتلع بسرعة ﴿ما يأفكون﴾ : ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم، ويزورونه، فيُخيِّلون في حبالهم وعصيّهم أنها حيات تسعى، ﴿فأُلقي السحرةُ ساجدين﴾ لما شاهدوا ذلك من غير تلعْثم ولا تردد، غير متمالكين لأنفسهم ؛ لعلمهم بأن ذلك خارج عن حدود السحر، وأنه أمر إلهي، يدل على تصديق موسى عليه السلام. وعَبَّر عن الخرور بالإلقاء بطريق المشاكلة ؛ لقوله :﴿ألقو ما أنتم ملقون﴾، فألقى، فلما خروا سجوداً، ﴿قالوا آمنا بربِّ العالمين﴾، قال عكرمة : أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء. هـ. ﴿ربِّ موسى وهارون﴾ : عطف بيان، أو : بدل من ﴿رب العالمين﴾. فدفع توهم إرادة فرعون ؛ لأنه كان يدعي الربوبية، فأرادوا أن يعزلوه منها. وقيل : إن فرعون لما سمع منهم :﴿آمنا برب العالمين﴾، قال : إياي عنيتم ؟ قالوا :﴿ربِّ موسى وهارون﴾.


الصفحة التالية
Icon