﴿فأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ﴾ حين أخبر بمسيرهم ﴿في المدائن حاشرين﴾ ؛ جامعين للعساكر ليتبعهم، فلما اجتمعوا قال :﴿إنّ هؤلاء﴾، يريد بني إسرائيل ﴿لَشِرْذِمَةٌ﴾ ؛ طائفة قليلة ﴿قليلون﴾، ذكرهم بالاسم الدالّ على القلة، ثم جعلهم قليلاً بالوصف، ثم جمع القليل، فيدل على ان كل حزب منهم قليل. أو : أراد بالقلة : الذلة، لا قلة العدد، أي : إنهم ؛ لذلتهم، لا يُبالي بهم، ولا يتوقع غلبتهم. قال ابن عرفة : شرذمة : تقليل لهم باعتبار الكيفية، وقليلون : باعتبار الكمية، وإنما استقلّ قوم موسى - وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً - ؛ لكثرة مَن معه، فعن الضحاك : كانوا سبعة آلاف ألف، ورُوي أنه أرسل في أثرهم ألفَ ألف وخمسمائة ألف ملِك مُسوّر، مع كل ملِك ألفٌ، وخرج فرعون في جمع عظيم، وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل على حصان، وعلى رأسه بيضة. وعن ابن عباس رضي الله عنه : أنه خرج فرعون في ألف ألف حصان، من سوى الإناث. هـ.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٣
وإنهم لنا لغائظون﴾ أي : فاعلون ما يغيظنا، وتضيق به صدورنا، وهو خروجهم من مصر، وحملهم حُلينا، وقتلهم أبكارنا، ﴿وإنا لجميع حاذِرُون﴾ أي : ونحن قوم عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى إطفاء ثائرته وحسم فساده، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن ؛ لئلا يظن العجز. وقرئ
١٦٣
(حذرون) ؛ بالمد والقصر، فالأول دال على تجدد الحذر، والثاني على ثبوته.
قال تعالى :﴿فأخرجناهم﴾ أي : خلقنا فيهم داعية الخروج وحملناهم عليه، ﴿من جناتٍ﴾ ؛ بساتين ﴿وعيونٍ﴾، وأنهار جارية، ﴿وكنوز﴾ ؛ أموال وافرة من ذهب وفضة، وسماها كنوزاً ؛ لأنهم لم يُنفقوا منها في طاعة الله تعالى شيئاً. ﴿ومَقَامٍ كريم﴾ أي : منزل رفيع بَهيّ، وعن ابن عباس : المنابر.