خبره العظيم الشأن، ولم يأمر في قصص هذه السورة بتلاوة قِصَّةٍ إلا في هذه ؛ تفخيماً لشأنه، وتعظيماً لأمر التوحيد، الذي دلت عليه. ﴿إذْ قال﴾ أي : وقت قوله ﴿لأبيه وقومه ما تعبدون﴾ أي : أيُّ شيء تعبدون ؟ وإبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عَبَدة الأصنام، لكنه سألهم ؛ ليُعلمهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة، ﴿قالوا نعبد أصناماً﴾، وجواب ﴿ما تعبدون﴾ : هو قولهم :﴿أصناماً﴾ ؛ لأن السؤال وقع عن المعبود لا عن العبادة، فكان حق الجواب أن يقولوا : أصناماً، كقوله تعالى :﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة : ٢١٩]، وكقوله تعالى :﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ﴾ [سبأ : ٢٣]. لكنهم أطنبوا فيه بإظهار العامل ؛ قصداً إلى إبراز ما في نفوسهم الخبيثة من الابتهاج والافتخار بعبادتها، ﴿فنظلُّ لها عاكفين﴾ أي : فنقيم على عبادتها طول النهار. وإنما قالوا :﴿فنظل﴾ ؛ لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل : أو يراد به الدوام.
﴿قال﴾ إبراهيمُ عليه السلام :﴿هل يسمعونكم إذ تَدْعون﴾ أي : هل يسمعون دعاءكم حين تدعونهم، على حذف مضاف، ﴿أو ينفعونكم﴾ إن عبدتموها، ﴿أو يَضُرُّونَ﴾ ؛ أو يضرونكم إن تركتم عبادتها ؛ إذ لا بد للعبادة من جلب نفع أو دفع ضر ؟ ﴿قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون﴾ فاقتدينا بهم. اعترفوا بأن أصنامهم بمعزل عما ذكر ؛ من السمع، والمنفعة، والمضرة بالمرة. واضطروا إلى إظهار أنهم لا سند لهم سوى التقليد الرديء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٦


الصفحة التالية
Icon