قال} إبراهيم :﴿أفرأيتم ما كنتم تعبدون﴾ أي : أنظرتم وأبصرتم وتأملتم فعلمتم ما كنتم تعبدون ﴿أنتم وآباؤكم الأقدمون﴾ حق الإبصار، أو حق العلم، ﴿فإنهم عدو لي﴾ أي : فاعلموا أنهم أعداء لي، لا أحبهم ولا يحبونني، أو : لو عبدتموهم لكانوا أعداء لي يوم القيامة، كقوله :﴿سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ [مريم : ٨٢]، وقال الفراء : هو من المقلوب، أي : فإني عدو لهم، والعدو يجيء بمعنى الواحد والجماعة ؛ لأنه فَعُولٌ، كصبور. وفي قوله :﴿عدو لي﴾، دون " لكم " ؛ زيادةُ نصحٍ، لكونه أدعى لهم إلى القبول، ولو قال : فإنهم عدو لكم، لم يكن بتلك المثابة، ولم يقبلوه، ﴿إلا ربِّ العالمين﴾ : استثناء منقطع، أي : لكن رب العالمين ليس كذلك، بل هو حبيب لي. وأجاز الزَّجَّاجُ أن يكون متصلاً، على أن الضمير لكل معبود، وكان من آبائهم من عَبَد الله تعالى، وهم أيضاً كانوا يعبدون الله مع أصنامهم.
ثم وصف الربّ تعالى قوله :﴿الذي خلقني﴾ بالتكوين في القرار المكين، ﴿فهو يَهدين﴾ وحده إلى كل ما يُهمني ويُصلحني من أمور الدين والدنيا، هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح، متجددة على الاستمرار، كما ينبئ عنه صيغة المضارع. وعبَّر بالاستقبال، مع سبق الهداية في الأزل ؛ لأن المراد ما ينشأ عنها، وهو الاهتداء لما هو الأهم والأفضل والأتم والأكمل، أو : والذي خلقني لأسباب خدمته فهو يهدين إلى آداب خُلَّتِهِ.
١٦٧
ولما كان الخلق لا يمكن أن يدعيه أحد لم يؤكد فيه بهو، بخلاف الهداية والإطعام والسقي، فإنه يكون على سبيل المجاز من المخلوقين، ولذلك أكده بهو ؛ ليخصه به تعالى.


الصفحة التالية
Icon