﴿والذي هو يُطعمني﴾ لا غيره، أصناف الإطعام إلى مُولي الإنعام ؛ لأن الركون إلى الأسباب عادة الأَنْعام. ﴿و﴾ هو أيضاً الذي ﴿يسقين﴾ أي : يرويني بمائه. وتكرير الموصول في المواضع الثلاثة ؛ للإيذان بأن كل واحدة من تلك الصلات نعت جليل له تعالى، مستقل في استيجاب الحكم. ﴿وإِذا مرضت فهو يَشْفين﴾ : عطف على ﴿يُطعمني ويسقين﴾، ونظم معهما في سلك الصلة بموصول واحد ؛ لأن الصحة والمرض من متبوعات الأكل والشرب في العادة، غالباً.
وقال في الحاشية : ثم ذكر بعد نعمة الخلق والهداية ما تدوم به الحياة وتستمر، وهو الغذاء والشراب، ولمَّا كان ذلك مبنياُ على غلبة إحدى الكيفيات على الآخر، بزيادة الغذاء أو نقصانه، فيحدث بعد ذلك مرض، ذكر نعمته بإزالة ما حدث من السقم. هـ. ونسبة المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى، مع أنهما منه تعالى ؛ لمراعاة حسن الأدب، كما قال الخضر عليه السلام :﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف : ٧٩]، ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾ [الكهف : ٨٢].
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٦
والذي يُميتني ثم يُحيينِ﴾، ولم يقل : وإذا مت ؛ لأن الإماتة والإحياء من خصائصه تعالى. وأيضاً : الموت والإحياء من كمال الكمال ؛ لأنه الخروج من سجن الدنيا إلى السرور والهناء، أو : الخروج من دار البلاء والفناء إلى دار الهناء والبقاء. ﴿والذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفَر لي﴾ أي : في مغفرته لي ﴿خطيئتي يومَ الدين﴾، ذكره عليه السلام ؛ هضماً لنفسه، وتعليماً للأمة أن يجتنبوا المعاصي، ويكونوا على حذر منها، وطلب مغفرته لما يفرط منهم. وقال أبو عثمان : أخرج سؤاله على حد الأدب، لم يحكم على ربه بالمغفرة، ولكنه طَمِعَ طَمَعَ العبيد في مواليهم، وإن لم يكونوا يستحقون عليهم شيئاً ؛ إذ العبد لا يستحق على مولاه شيئاً، وما يأتيه يأتيه من فضل مولاه. هـ.