وقيل : أشار إلى قوله :﴿إِنّيِ سَقِيم﴾ [الصافات : ٨٩] ﴿فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء : ٦٣] وقوله في سارّة :" هي أختي " ؛ حذراً من الجبار. وفيه نظر ؛ لأنها مع كونها معاريض، لا من قبيل الخطايا المفتقرة إلى الاستغفار، إنما صدرت عنه عليه السلام بعد هذه المقالة الجارية بينه وبين قومه في أول أمره. وتعليق مغفرة الخطيئة بيوم الدين، مع كونها إنما تُغفر في الدنيا ؛ لأن أثرها إنما يظهر يومئذٍ، ولأن في ذلك تهويلاً له، وإشارة إلى قوع الجزاء فيه، إن لم يغفر. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغي لك أيها العبد أن تكون إبراهيمياً حنيفياً، فتنبذ جميعَ الأرباب، وتعادي كل من يشغلك عن محبة الحبيب، من العشائر والأصحاب، وتقول لمن عكف
١٦٨
على متابعة هواه، ولزم الحرص على جمع دنياه، هو ومن تقدمه : أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين، الذي خلقني لعبوديته، فهو يهدين إلى معرفته، والذي هو يطعمني طعم الإيمان واليقين والإحسان، ويسقيني من شراب خمرة العيان، وإذا مرضتُ بالذنوب فهو يشفين بالتوبة، أو : مرضت بشيء من العيوب فهو يشفين بالتطهير منها. أو : إذا مرضت برؤية السِّوى، فهو يشفين بالغيبة عنه، والذي أطمع أن يطهرني من البقايا، ويجعلني من المقربين يوم الدين. وقال ذو النون رضي الله عنه : يطعمني طعام المعرفة، ويسقيني شرا ب المحبة، ثم قال :
شَرَابُ المَحَبَّةِ خَيْرُ الشَّرابْ
وكُلُّ شرابٍ سواه سَرَابْ
وقال الشيخ أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه : إن لله شراباً، يقال له : شراب المحبة، ادخره لأفاضل عباده، فإذا شربوا سكروا، وإذا سكروا طاشوا، وإذا طاشوا طاروا وصلوا، وإذا وصلوا اتصلوا، فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. هـ. قلت : شراب المحبة هو خمرة الفناء والغيبة في الله، بديل قول ابن الفارض رضي الله عنه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٦


الصفحة التالية
Icon