فَلَمْ تهْوَني ما لم تكنْ فِيَّ فانِياً
ولمَ تَفْنَ ما لم تجتل فيكَ صورتي
وقال الجنيد رضي الله عنه : يُحشر الناس يوم القيامة عراة، إلا من لبس ثياب التقوى، وجياعاً إلا من أكل طعام المعرفة، وعطاشاً إلا من شرب شراب المحبة. هـ. وقد يستغني صاحب طعام المعرفة وشراب المحبة عن الطعام والشراب الحسيين، كما قال ﷺ، حين كان يواصل :" إني أبَيتُ عند ربي يُطعمني ويسقين ". قال أبو الوراق في قوله تعالى :﴿الذي هو يُطعمني ويسقين﴾ أي : يُطعمني بلا طعام، ويسقيني بلا شراب. قال : ويدل عليه حديث السَّقَّاء في عهد النبي ﷺ ؛ حيث سمع النبي ﷺ يقرأ ثلاثة أيام :﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾، فرمى بِقِرْبَتِهِ، فأتاه آتٍ في منامه بقدح من شراب الجنة، فسقاه، قال أنس : فعاش بعد ذلك نيفاً وعشرين سنة، ولم يأكل ولم يشرب على شهوة. هـ.
وكان عبد الرحمن بن أبي نعيم لا يأكل في الشهر إلا مرة، فأدخله الحجاج بيتاً، وأغلق عليه بابه، ثم فتحه بعد خمسة عشر يوماً، ولم يشك أنهم مات، فوجده قائماً يُصلي، فقال : يا فاسق، تصلي بغير وضوء ؟ فقال : إنما يحتاج الوضوء من يأكل ويشرب، وأنا على الطهارة التي أدخلتني عليها. هـ. ومكث سفيان الثوري بمكة دهراً، وكان يَسفُّ من السبت إلى السبت كفاً من الرمل. هـ. وهذا من باب الكرامة، فلا يجب طردها، وقد تكون بالرياضة، وطريق المعرفة لا تتوقف على هذا. والله تعالى أعلم.
١٦٩
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٦