يقول الحق جل جلاله : حاكياً عن خليله إبراهيم عليه السلام :﴿ربِّ هبْ لي حُكماً﴾ أي : حكمة، أو حُكماً بين الناس، أو نبوة ؛ لأن النبي ذو حُكم بين عباد الله. ﴿وألحِقْني بالصالحين﴾ أي : الأنبياء، الذين صلحوا لحمل أعباء النبوة والرسالة، وصلحت سرائرهم للحضرة، ولقد أجابه بقوله :﴿وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾. ﴿واجعل لي لسانَ صدقٍ في الآخرين﴾ أي : ثناءً حسناً، وذكراً جميلاً في الأمم التي تجيء بعدي، فأُعطي ذلك، فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه، ووضَعَ اللسانَ موضعَ القول ؛ لأن القول يكون به. أو : واجعلني على طريق قويم، وحال مُرضي، يُقتدى بي فيهما، ويُحمد أثري بعد موتي، كما قيل :
مَوْتُ التقِيِّ حَيَاةٌ لا فناء لها
قد مات قومٌ وهم في الناس أَحْيَاءُ
وقد تحقق له جميع ذلك، وخصوصاً في هذه الأمة، حتى أنه مذكور ومقرون في كل صلاة على النبي ﷺ، وقال بعضهم : سأل أن يجعله صالحاً، بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن كاذباً. وقيل : سأل الإمامة في التوحيد والدين، وقد أجيب بقوله :﴿إِنّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾ [البقرة : ١٢٤].