ومما اصطلحت عليه الصوفية أن الصالحين : من صلحت ظواهرهم، وتطهرت قلوبهم من الأمراض. وفوقهم الأولياء، وهم من كُشف عنهم الحجاب، وأفضوا إلى الشهود والعيان، وفوقهم درجة النبوة والرسالة، فقول الخليل ﴿وألحقني بالصالحين﴾، وكذلك قال الصدِّيق، هو تنزل وتواضع ؛ ليعرف جلالة قدر الصالحين، فما بالك بمن فوقهم! فهو كقول نبينا ﷺ :" اللهُمَّ أحينِي مِسْكيناً، وأمِتْنِي مِسْكيناً، واحْشُرني في زُمْرة المسَاكين " أي : اجعل المساكين هم قرابتي، المحدقون بي في المحشر، فقد عَرَّف ﷺ بفضيلة المساكين، وعظَّم جاههم، بطلبه أن يكونوا في كفالته، لا أنه في كفالتهم، وكذلك الخليل والصدِّيق، عَرَّفا بفضيلة الصالحين من أهل الإسلام، أو أنهما طلبا اللحوق بهم.
وقوله تعالى :﴿واجعل لي لسانَ صدْقٍ في الآخرين﴾ ؛ كل من اخلص وجهه لله، وتخلصت سريرته مما سوى الله، وكان إبراهيمياً حنيفياً، جعل الله له لسان صدق فيمن يأتي بعده، وحسن الثناء عليه في حياته وبعد مماته، لقوله ﷺ :" إذا أحب الله عبداً نادى جبريل : إن الله يُحب فلاناً فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السموات : إن الله يحب فلاناً فأحِبُّوه، فيحبُّه أهل السماء، ثم يُوضَع له القَبُول في الأرض " أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى :﴿واغفر لأبي...﴾ إلخ. قال القشيري : هذا عند العلماء : إنما قاله قبل يأسه من إيمانه، وعن أهل الإشارة : ذكره في وقت غَلَبَةِ البَسْط، وتجاوز ذلك عنه، وليس إجابةُ العبد واجبةً عليه في كل شيء، وأكثر ما فيه : أنه لا يجيبه في ذلك، ثم لهم أسوة في ذكر أمثال هذا الخطاب، وهذا لا يهتدي إليه كلُّ أحدٍ. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٠


الصفحة التالية
Icon