يقول الحق جل جلاله، في شأن اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون :﴿وأُزلفتِ﴾ أي : قُّربت ﴿الجنةُ للمتقين﴾، أي : تزلف من موقف السعداء، فينظرون إليها، ﴿وبُرِّزتِ الجحيمُ﴾ : أُظهرت، حتى يكاد يأخذهم لهبها، ﴿للغاوين﴾ : للكافرين، ﴿وقيلَ لهم أينَ ما كنتم تعبدون من دون الله هل يَنْصُرونكم﴾ بدفع العذاب عنكم، ﴿أو ينتصرون﴾ بدفعه عن أنفسهم، يوبّخون على إشراكهم، فيقال لهم : أين آلهتكم التي عبدتموها، هل ينفعونكم اليوم بنصرتهم لكم ؟ أو : هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لها ؟ كلا، بل هم وآلهتهم وَقُودُ النار، كما قوله تعالى :
١٧٢
﴿فكُبْكِبُوا فيها﴾ أي : أُلقوا في الجحيم على وجوههم، مرة بعد أخرى، إلى أن يستقروا في قعرها. وفي القاموس : كبّه : قَلَبَهُ وصرعه، كأكبه وكبكبه. هـ. أي : صُرِعُوا ؛ منكبين في الجحيم على وجوههم، ﴿هم﴾ أي : آلهتهم ﴿والغاوون﴾ أي : الذين كانوا يعبدونهم.
وفي تأخير ذكرهم عن ذكر آلهتهم رمز إلى أنهم مُؤَخِّرُونَ عنها في الكبكبة ؛ ليشاهدوا سوء حالها، فيزدادوا غماً على غم، ﴿وجنودُ إبليسَ﴾ أي : يكبكبون معهم ﴿أجمعون﴾، وهو شياطينه الذين كانوا يقوونهم ويوسوسونهم، ويُسَوِّلُونَ لهم ما هم عليه من عبادة الأصنام، وسائر فنون الكفر والمعاصي، أو : متبعوه من عصاة الجن والإنس ؛ ليجتمعوا في العذاب، حسبما كانوا مجتمعين فيما يوجبه.
﴿قالوا﴾ أي : العبدة ﴿وهم فيها يختصمون﴾ أي : قالوا معترفين بخطئهم في انهماكهم في الضلالة ؛ متحسرين، والحال : أنهم في الجحيم بصدد الاختصام مع من معهم من المذكورين، فيجوز أن يُنطق الله الأصنامَ، حتى يصح منها التخاصم والتقاول، ويجوز أن يجري ذلك بين العصاة والشياطين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٢


الصفحة التالية
Icon