قالوا :﴿تالله إنْ كُنَّا لفي ضَلاَل مُبِين﴾ أي : إن الشأن كنا في ضلال واضح، لا خفاء فيه، ﴿إذ نسويكم﴾ ؛ نَعْدِلُكُم ﴿بربِّ العالمين﴾ فنعبدُكم معه، أي : تالله لقد كنا في ضلال فاحش وقت تسْويتنا إياكم أيها الأصنام، في استحقاق العبادة، برب العالمين، الذي أنتم أدنى مخلوقاته، وأذلهم وأعجزهم، ﴿وما أضَلَّنا إلا المجرمون﴾ أي : رؤساؤهم، الذين أضلوهم، وإبليس وجنوده، ومن سنَّ الشرك. وليس المراد قصر الإضلال على المجرمين دون من عداهم، بل قصر ضلالهم على كونه بسبب إضلالهم، من غير أن يستقلوا به، وهذا كقولهم :﴿رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ﴾ [الأحزاب : ٦٧]. وعن السُّدِّي : هم الأولون الذين اقتدوا بهم. وأيّا ما كان ففيه التعريض للذين قالوا :﴿بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون﴾.
ثم قالوا :﴿فما لنا من شافعين﴾ كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء - عليهم السلام - وغيرهم ممن أُهِّلَ للشفاعة. ﴿ولا صديقٍ حميم﴾ كما لهم أصدقاء ؛ إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون، وأما الكفار فبينهم التعادي كما يأتي في الآية. أو : ما لنا من شافعين، ولا صديق من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن أصنامهم تشفع لهم عند الله، وكان له أصدقاء من شياطين الإنس، فلم ينفعهم شيء من ذلك. وجمع الشفعاء ووحّد الصديق ؛ لكثرة الشفعاء. وأما الصديق، وهو الصادق في ودادك، الذي يهمه ما أهمك، ويسره ما أسرك، فقليل، وسئل حكيم عن الصديق، فقال :(اسم لا معنى له)، أي : لا وجود له، والبركة لا تنقطع.
قال القشيري : في الخبر : يجيء يوم القيامة عَبْدٌ فيُحاسَبُ، فتستوي حسناتُه
١٧٣
وسيئاته، ويحتاج إلى حسنة واحدة يرْضى عنه خصومه، فيقول الله سبحانه له : عبدي يقيت لك حسنةٌ، إن كانت أَدْخَلْتُك الجنةََ، انْظُرْ، وتَطَلَّبْ من الناس لعلَّ أحداً يهبها لَكَ.


الصفحة التالية
Icon