فيأتي الصفين، فيطلب من أبيه، ثم من أمه، ثم من أصحابه، فلا يجيبه أحدٌ إلا بقوله : أنا اليومَ فقيرٌ إلى حسنةٍ واحدة، فيرجع إلى مكانه، فيسأله الحقُّ - سبحانه : ما جئتَ به ؟ فيقول : يا ربِّ لم يُعْطِني أحد حسنةً، فيقول الله تعالى : عبدي... ألم يكن لك صديق ؟ فيتذكر العبدُ، ويقول فلان كان صديقاً لي فيك، فيأتيه ويدل الحق عليه، فيكلِّمه، فيقول : بل لي عباداتٌ كثيرة، فإن قَبِلَها الله مني فقد وهبتُها لك، فيُسَرُّ ويجيء إلى موضعه، فيخبر بذلك ربَّه تعالى، فيقول قد قَبِلتُها منه، ولم أنقص من حقِّه شيئاً، وقد غفرت لك وله - فهذا معناه. هـ. ونقل القرطبي عن الحسن قال : ما اجتمع ملأ على ذكر الله، فيهم عبد من أهل الجنة، إلا شفَّعه الله فيهم، وإن أهل الإيمان ليشفع بعضهم في بعض، وهم عند الله شافعون مشفعون. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٢
ثم قالوا :﴿فلو أن لنا كرةً﴾ أي : رجعة إلى الدنيا ﴿فنكون من المؤمنين﴾، وجواب ﴿لو﴾ التَّمْنِيَةِ : محذوف، أي : لفعلنا كيت وكيت ؛ إذ " لو "، في مثل هذا، للتمني، أي : فليت لنا كرة فنكون من المؤمنين.
﴿إن في ذلك﴾ أي : فيما ذكر من الأنباء العجيبة ؛ كقصة إبراهيم مع قومه، وما ترتب على ذلك من الوعد والوعيد، ﴿لآيةً﴾ عظيمة، موجبة للزجر عن عبادة الأصنام، لا سيما لأهل مكة، الذين يدَّعون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام، أو : إن في ذكر نبأه، وتلاوته عليهم، على ما هو عليه، من غير أن تسمعه من أحد، لآية عظيمة دالة على أن ما نتلوه عليهم وحْيٌ صادق، نازل من جهته تعالى، موجبة للإيمان به، ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرهُمُ مُّؤْمِنِينَ﴾ أي : وما أكثر هؤلاء، الذين تتلو عليهم هذه الأنباء، مؤمنين، بل هم مُصِرُّون على ما كانوا عليه من الكفر والضلال. ولا يحسن رجوعه لقوم إبراهيم، على أن ﴿كان﴾ أصلية ؛ لأنه لم يؤمن من قومه إلا لوط فقط.


الصفحة التالية
Icon