قالوا أَنُؤْمِنُ لك واتبعك} والحالة أنه قد تبعك ﴿الأرْذَلونَ﴾ أي : الأرذلون جاهاً ومالاً، والرذالة : الدناءة والخسة، وإنما استرذلوهم ؛ لاتضاع نسبهم، وقلة نصيبهم من الدنيا، وقيل : كانوا من أهل الصناعة الدنيئة، قيل : كانوا حاكة وأساكفة - جمع إسكاف - وهو الخَفَّافُ - أي : الخراز، وقيل : النجار. والصناعة لا تزري بالديانة، فالغنى غنى القلوب، والنسب نسب التقوى، والعز عز العلم بالله لا غير، ومرادهم بذلك : أنه لا مزية لك في اتباعهم ؛ إذ ليس لهم رزانة عقل، ولا إصابة رأي، وقد كان ذلك منهم في بادي الرأي. وهذا من كمال سخافة عقولهم، وقصر نظرهم على حطام الدنيا حتى اعتقدوا أن الأشرف مَنْ جَمَعَهَا، والأرذل مَنْ حُرمَها. وقد جهلوا بأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن النعيم هو نعيم الآخرة، والأشرف مَنْ فازَ بِه، وسكن في جوار الله، والأرذل من حُرم ذلك.
قال القشيري : ذكر ما لَقِيَ من قومه، وقوله :﴿واتبعك الأرذلون﴾، وكذلك أتباع الرسل، إنما هم الأضعفون، لكنهم - في حُكم الله - هم المقدّمون الأكرمون، قال ﷺ :" نُصِرْتُ بضعفائكم "، إلخ كلامه.
﴿قال وما عِلْمِي﴾ أي : وأيّ شيء علمي ﴿بما كانوا يعملون﴾ من الصناعات، إنما أطلب منهم الإيمان. وقيل : إنهم طعنوا في إيمانهم، وقالوا : لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة، وإنما اتبعوك ؛ طمعاً في العدة والمال، أي : وما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر، دون التنقير على بواطنهم، والشق عن قلوبهم، ﴿إنْ حسابهم إلا على ربي﴾ أي : ما محاسبة أعمالهم والتنقير عن كيفياتها إلا على ربي ؛ فإنه المطلع على السرائر، ﴿لو تشعرون﴾ بشيء من الأشياء، أو : لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك، ولكنكم كالبهائم أو أضل.


الصفحة التالية
Icon