﴿وما أنا بِطَاردِ المؤمنين﴾ أي : ليس من شأني أن أتبع شهواتكم، فأطرد المؤمنين ؛ طمعاً في إيمانكم، وهو جواب عما أوهمه كلامهم من استدعاء طردهم وتعليق إيمانهم بذلك، حيث جعلوا اتباعهم له مانعاً عنه، ﴿إنْ أنا إلا نذير مبين﴾ وما علي إلا أن أُنذركم إنذاراً بيّناً ؛ بالبرهان القاطع، وأنتم أعلم بشأنكم، أي : وما أنا إلا رسول مبعوث لإنذار المكلفين، سواء كانوا أعزاء أو أراذل، فكيف يمكنني طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء ؟. ﴿قالوا لئن لم تَنْته يا نوحُ﴾ عما تقول ﴿لتكوننَّ من المرجومين﴾ ؛ من المقتولين بالحجارة. قالوه في آخر أمره.
﴿قال ربِّ إنَّ قومي كذَّبونِ﴾ ؛ تمادوا على تكذيبي، وأصروا عليه، بعد ما دعوتهم
١٧٦
هذه الأزمنة المتطاولة، فلم يزدهم دعائي إلا فِراراً، وليس هذا من قبيل الإخبار ؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء، وإنما هو تضرع وابتهال، بدليل قوله :﴿فافتحْ بيني وبينهم فتحاً﴾ ؛ أي : احكم بيني وبينهم بما يستحقه كل واحد منا، وهذه حكاية إجمالية، قد فصلت في سورة نوح ﴿وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِين﴾ من شرهم، أو من شؤم عملهم.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٥
فأنجيناه ومن معه﴾
حسب دعائه ﴿في الفلك المشحون﴾ ؛ المملوء بهم وبما لا بد لهم منه. ﴿ثم أغرقنا بَعْدُ﴾ أي : بعد إنجائهم ﴿الباقين﴾ من قومه، ﴿إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ الممتنع القاهر بإهانة من جحد وأصر. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon