الإشارة : قال القشيري : أخبر عن كل واحد من الأنبياء بقوله :﴿وما أسألكم عليه من أجر﴾ ؛ ليَعْلَمَ الكافةُ أنه من عَمِلَ له فلا ينبغي أن يطلب الأجر من غيره، ففي هذا تنبيهٌ للعلماء - الذين هم ورثة الأنبياء - أن يتأدبوا بآدابهم، وألاّ يطلبوا من الناس شيئاً في بَثِّ علومهم، ولا يرتفقون منهم بتعليمهم، والتذكير لهم، ومن ارتفق من المستمعين في بث فائدة يذكرها من الدين، يَعِظُ بها المسلمين، فلا بارك الله للمسلمين فيما يَسْمعون منه، ولا للعلماءِ أيضاً بركةٌ فيما منهم يأخذون، فيبيعون دينَهم بَعَرَضٍ يسيرٍ، ثم لا بَركضةَ لهم فيه، إذ لا يتقربون به إلى الله، ولا ينتفعون به، ويَحْصُلون على سخط من الله. هـ.
قلت : أما ما يأخذه العالم من الأحباس فلا يدخل في هذا ؛ إذ ليس فيه تكلف من أحد، وكذلك ما يأخذه الواعظ على وجه الزيارة والهدية، من غير استشراف نفسٍ ولا طمعٍ ولا تكلفٍ. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٥
يقول الحق جل جلاله :﴿كذبتْ عادٌ المرسلين﴾، وهي قبيلة، ولذلك أنَّث الفعل، وفي الأصل : اسم رجل، هو أبو القبيلة. ﴿إذ قال لهم أخوهم﴾ ؛ نسباً، ﴿هودٌ أَلاَ تتقون
١٧٧
إني لكم رسول أمين﴾
، وقد مر تفسيره، ﴿فاتقوا الله﴾ في تكذيب الرسول الأمين، ﴿وأطيعونِ﴾ فيما آمركم به وأنهاكم عنه، ﴿وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أَجْرِيَ إلا على رَبِّ العاَمينَ﴾، وتصدير القصص بتكذيب الرسل والأمر بالطاعة ؛ للدلالة على أن مبنى البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق، والطاعة فيما يقرب المدعو إلى الثواب، ويُبعده من العقاب، وأنَّ الأنبياء - عليهم السلام - مُجْمِعون على ذلك، وإن اختلفوا في فروع الشرائع، المختلفة باختلاف الأزمنة والأعصار، وأنهم منزهون عن المطامع الدنيئة، والأغراض الدنيوية بالكلية.


الصفحة التالية
Icon