ثم وبَّخهم بقوله :﴿أتَبْنونَ بكل رِيعٍ﴾ : مكان مرتفع، ومنه : ريع الأرض ؛ لارتفاعها، وفيه لغتان : كسر الراء وفتحها. ﴿آيةً﴾ ؛ علَماً للمارة، كانوا يصعدونه ويسخرون بمن يمر بهم. وقيل : كانوا يسافرون ولا يهتدون إلا بالنجوم، فبنوا على الطريق أعلاماً ليهتدوا بها ؛ عبثاً، وقيل : برج حمام، دليله :﴿تَعْبَثُون﴾ أي : تلعبون ببنائها، أو : بمن يمر بهم على الأول، ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ﴾، مآخذ الماء، أو قصوراً مشيدة، أو حصوناً، وهو جمع مصنع، والمصنع : كل ماصنع وأتقن في بنيانه، ﴿لعلكم تَخْلُدُونَ﴾ أي : راجين الخلود في الدنيا، عاملين عمل من يرجو ذلك، أو كأنكم تخلدون.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٧
وإذا بطشتم﴾
بسوط او سيف، أو أخذتم أحداً لعقوبة ﴿بطشتم جبارين﴾ ؛ مسلطين، قاسية قلوبكم، بلا رأفة ولا رقة، ولا قصد تأديب، ولا نظراً للعواقب. والجبار الذي يضرب أو يقتل على الغضب. ﴿فاتقوا الله﴾ في البطش، ﴿وأطيعونِ﴾ فيما أدعوكم إليه ؛ فإنه أنفع لكم، ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ من ألوان النعماء وأصناف الآلاء. ثم فصّلها بقوله :﴿أمدَّكم بأنعامٍ وبنين﴾ ؛ فإن التفصيل بعد الإجمال أدخل في القلب. وقرن البنين بالأنعام ؛ لأنهم يعينونهم على حفظها والقيام بها.
﴿وجناتٍ﴾ ؛ بساتين ﴿وعيونٍ﴾ : أنهار خلال الجنات، ﴿إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ إن عصيتموني، أو : إن لم تقوموا بشكرها ؛ فإن كفران النعم مستتبع للعذاب، كما أن شكرها مستلزم لزيادتها، قال تعالى :﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم : ٧].


الصفحة التالية
Icon