يقول الحق جل جلاله :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ...﴾ إلخ، وهو ظاهر، ثم قال ﴿أتأتون الذُّكْرَان من العالمين﴾، أراد بالعالمين : الناس، أي : أتطؤون الناس مع كثرة الإناث، أو : أتطؤون أنتم من بين سائر العالمين الذكران، وتختصون بهذه الفاحشة ﴿وتذرُون ما خلقَ لكم ربكم﴾ من الإناث : أو : ما خلق لكم ؛ لأجل استمتاعكم من الفروج، ﴿مِن أزواجكم﴾، فَمِنْ للبيان، إن أريد بـ " ما " : جنس الإناث، وهو الظاهر، وللتبعيض، إن أريد بها العضو المباح منهن، تعريضاً بأنهم يفعلون ذلك بنسائهم أيضاً، وفيه دليل تحريم أدبار الزوجات والمملوكات، ومن أجاز ذلك قد أخطأ خطأ عظيماً. ﴿بل أنتم قومٌ عَادُون﴾ أي : متعدون. والعادي : المتعدي في ظُلْمِهِ، المتجاوز فيه الحد، أي : أنتم قوم أحقَّاء بأن توصفوا بالعدوان ؛ حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة، التي لم يرتكبها أحد قبلكم، ولو من الحيوانات البهيمية.
﴿قالوا لئن لم تنتهِ يا لوطُ﴾ عن إنكارك علينا وتقبيح أمرنا ﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ من بلدنا، أي : من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا، وطردناه من بلدنا. ولعلهم كانوا يُخرجون من أخرجوه على أسوأ حال. ﴿قال إني لِعَمَلِكُم من القَالين﴾ ؛ من المبغضين غاية البغض، كأنه يقلي الفؤاد والكبد من شدته. والقِلَى : أَشَدُّ البغض، وهو أبلغ من أن يقول : لعملكم قالٍ، فقولك : فلان من العلماء، أبلغ من قولك : فلان عالم ؛ لأنك تشهد بأنه مساهم لهم في العلم. وفي الآية دليل على قبح معصية اللواط ؛ ولذلك أفتى مالك بقتل فاعلها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨١


الصفحة التالية
Icon