ثم استعجلوا العذاب بقولهم :﴿فَأَسْقِطْ علينا كِسفاً من السماء﴾ أي : قطعاً، جمع كِسْفة، وقرئ بالسكون. أي : جُزءاً منه، والمراد بالسماء : إما السحاب، أو : السماء المظلة، ﴿إن كنت من الصادقين﴾ في دعواك الرسالة، ولم يكن طلبهم ذلك إلا لتصميمهم على الجحود والتكذيب، وإلا لما أخطروه ببالهم فضلاً عن أن يطلبوه. ﴿قال﴾ شعيب عليه السلام :﴿ربي أعلمُ بما تعملون﴾ من الكفر والمعاصي، وبما تستحقونه من العذاب، فينزله عليكم في وقته المقدر له لا محالة، ﴿فكذّبوه﴾ أي : فتمادوا على تكذيبه، وأَصروا عليه ﴿فأخذهم عذابُ يومِ الظُّلَّة﴾ حسبما اقترحوه. وذلك بأن سلط عليهم الحر سبعة أيام بلياليها، فأخذ بأنفاسهم، فلم ينفعهم ظل ولا ماء ولا شرب، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية، فأظلتهم سحابة، وجدوا فيها برداً ونسيماً، فاجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا جميعاً. وقيل : رفع لهم جبل، فاجتمعوا تحته، فوقع عليهم، وهو الظلة. وقيل : لما ساروا إلى السحابة صيح بهم فهلكوا. ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يومٍ عظيمٍ﴾ أي : في الشدة والهول، وفظاعة ما وقع فيه من الطامة والداهية التامة.
﴿إن في ذلك لآيةً وما كان أَكْثرُهُمْ مؤمنين﴾ قيل : آمن بشعيب من القِسْمَيْنِ - مدين والأيكة - تسعمائة إنسان، أو : وما أكثر قريش بمؤمنين بهذا، ﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾.
١٨٤
هذا آخر القصص السبع التي أُوحيت إلى رسول الله ﷺ ؛ لصرفه - عليه الصلاة والسلام - عن الحرص على إسلام قومه ودفع تحسر فواته، تحقيقاً لمضمون ما مر في مطلع السورة الكريمة من قوله :﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ...﴾ [الشعراء : ٣]. إلخ، ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَـانِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُواْ﴾ [الشعراء : ٥، ٦] الآية، فإن كل واحدة من هذه القصص ذكر متجدد النزول، قد أتاهم من جهته تعالى، بموجب رحمته الواسعة.