وقوله :﴿لا يؤمنون﴾ توضيح وتقرير لما قبله. ويجوز أن يكون حالاً، أي : سلكناه فيها غير مؤمنين به، أو : مثل ذلك السلك البديع سلكناه، أي : أدخلنا القرآن في قلوب المجرمين، ففهموا معانيه، وعرفوا فصاحته وبلاغته، وأنه خارج عن القوة البشرية، من حَيْثُ النَّظْم المعجز والأخبار الغيبية. وقد انضم إليه اتفاق علماء أهل الكتاب على اتفاقه لما في أيديهم من الكتب السماوية. ومع ذلك ﴿لا يؤمنون به﴾، ولا يتأثرون بأمثال تلك الأمور الداعية إلى الإيمان، بل يستمرون على ما هم عليه، ﴿حتى يَرَوُا العذابَ الأليم﴾ الملجئ إلى الإيمان، حين لا ينفعهم الإيمان، ﴿فيأتيهم بَغْتَةً﴾ ؛ فجأة في الدنيا والآخرة ﴿وهم لا يشعرون﴾ بإتيانه، ﴿فيقولون هل نحن مُنْظَرُون﴾ ؛ مُؤَخَّرُون ساعة. قالوه تَحَسُّراً على ما فات من الإيمان، وتمنياً للإمهال ؛ لتلافي ما فرضوه. والله تعالى أعلم.
الإشارة : إذا تطهر القلب من الأكدار والأغيار، وملئ بالمعارف والأسرار، كان مَهْبِطاً لوحي الإلهام ووحي الإعلام، ومحلاً لتنزل الملائكة الكرام، إذ كل ما أعطى للرسول كان لوارثه الحقيق منه شِرْبٌ ونصيب ؛ ليكون من الواعظين بلسان عربي مبين، يُفصح عن جواهر الحقائق، ويواقيت العلوم، وما ينطق به من العلوم يكون موافقاً لما في زُبُر الأولين، وإن كان أمياً ؛ لأن علوم الأذواق لا تختلف. أو لم يكن لهم آية على ولايته أن يعلمه علماء أهل فنه من المحققين.


الصفحة التالية
Icon